|
أثبتت الأحداث التي تهز العالم كلّه والعربي بوجه أخص بأن الشعب السعودي أثبت بأنه على درجة كبيرة من الوعي والوفاء لقيادته ولوطنه ومصالح دولته العليا.
إن الاحتفاء بالوطن لا يقتصر على يوم.. بل كل أيامنا للوطن. وإن كان يوم الوحدة والتأسيس له عمقه وبعهده التاريخي والسياسي والاجتماعي في عقلية الشعب السعودي. ولكل دولة أيام تعتزّ وتحتفل بها، فأيام الاستقلال الوطني مثلاً تتخذها الدول ذكرى وفرصة واحتفالاً للانعتاق من نير الاستعمار وجوره.
وهنا أبعث برسالتين إلى كل مواطن... بل ومقيم في أرض الحرمين الشريفين ألخصها في الآتي:
الرسالة الأولى: أود الإشارة إلى ملمح وسبق تاريخي للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أن حكمة الفاروق رضي الله عنه جعلته يؤرّخ للمسلمين (بيوم الهجرة) الذي انطلقت منه دولة الإسلام. وكم كان لهذا التأريخ من معنى لكل مدرك!! والوطن قيادة وشعباً يحتفي (بيوم الوحدة) الذي سطر ملحمته بتوفيق الله مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ورجالاته الأوفياء من كل منطقة في أرجاء وطننا العزيز.
... وفي تقديري بأن هذا الاحتفاء يجب ألا يتوقف عند فعالية أو مقالة أو مطبوعة أو أهازيج ، وإنما أن يستشعر هذا اليوم بأنه يوم تاريخي عظيم ومحبوب توحدت فيه البلاد وانعتقت من مشكلات في الفرقة والمعتقد ،، ومن هنا نحن نستمد هذا الحب من الاعتزاز بالهوية الإسلامية التي نحملها... وأن أكرمنا الله سبحانه بأن نكون من مواطني مهبط الوحي والرسالة وقبلة المسلمين.
... وعليه أيضاً أن نربّي أبناءنا وطلابنا على عظيم الجهد والجهاد الذي قام به المؤسس- رحمه الله- ورجالات هذه الوحدة المخلصين من الانتصار للمظلوم وبذل كل غال ونفيس من أجل وحدة الدين والوطن.
الرسالة الثانية: وأمام هذا الكيان العظيم وهذا الإرث المشترك الذي يجمعنا ونعتز به ، كيف يمكننا أن ننهض بواجبات مواطنتنا تجاه وطننا... بل وكيف نضمن استمرار هذه العملية.
... أشير ابتداءً إلى ما يؤكد عليه علماء الاجتماع بأن النّهوض بواجبات المواطنة يتم من خلال ضمان حياة مشتركة. وهنا يحذّر علماء الاجتماع من تآكل المعتقدات المشتركة والأهداف العامة والقيم الأصيلة... وإلى هذا يشير عالم الاجتماع الأمريكي (جون هاورد) بأن عدداً من المفردات النبيلة وما تشتمل عليه من مفاهيم قد اختفت من فوق التراب الأمريكي مثل كلمات التواضع والاحترام والأمانة والاستقامة والفضيلة والنخوة وعكسها مثل العار والعيب من الاستخدام الحالي، إذ لا تدخل هذه في المناقشات أو صنع القرارات. هذا مادعا إبراهام لِنكولن إلى القول «هل أصبح الأمريكيون منهمكين في شؤونهم الخاصة ولا يحركهم سوى المزيد من الحقوق والمكتسبات أكثر مما تحركهم الدعوة للواجب الوطني».
إننا اليوم وأمام التحديات المتعددة أحوج ما نكون إلى بث الروح المشتركة وخلق مواطنة جادة من خلال الحفاظ على قيمنا الأصيلة والتأكيد عليها في إعلامنا وتربيتنا وتعليمنا وإعمال أو إدماج الفرد في المشاركات الاجتماعية. لأن ذلك وغيره سوف يساعد على تضامن الناس وتكاتفهم وعدم البرود الاجتماعي تجاه ما يستحق وطنهم.
وبما أننا نحمل مسؤولية التعليم فإنني أؤكد على أهمية التداخل بين البعد الاجتماعي - الوطني والبعد التعليمي. فالهدف النهائي للعملية التربوية والتعليمية ليس مجرد إعداد الطالب للمنافسة في عالم الثقافة أو حتى الوظيفة بل يجب أن يهتم وأن يمتد التعليم ليشمل الإسهامات المختلفة من تغيير الحياة إلى الأفضل وغرس أدوات التفكير وطرق كل ما من شأنه توحيد المجتمع وتماسكه وتجانسه.
أخيراً:
من باب تعزيز المواطنة والنهوض بها لابد من مراجعة بعض المصطلحات والمفاهيم التي تؤسس للفرقة وتخليص تراثنا منها كاحتقار جماعة لأخرى أو استصغار بلد لبلد أو تفضيل جهة على أخرى، فكلنا أبناء وطن واحد أدام الله عزه وأمنه وتنميته.
د. خالد بن عبدالعزيز الشريدة - عميد شؤون الطلاب بجامعة القصيم