في خضم هذه الأحداث المتلاحقة التي تعصف بالوطن العربي وما يسمى بالثورات والتقلبات المتعاقبة التي نرقبها ونشاهدها لابد لأي راصد يلتفت إلى تلك الجزيرة العربية الكبرى الواسعة الشاسعة فيرقبها بعين متأملة متأنية لتعيده إلى تاريخ هذه الجزيرة التي توحدت واجتمعت وامتدت وعاشت منذ أكثر من مائة عام متماسكة محافظة على أشدها.
ما سر بقائها؟.. وما حقيقة توحيدها؟.. وكيف استطاع ذلكم الرجل العظيم الملك عبدالعزيز آل سعود أن يوحد صفوفها ويجمع كلمتها؟.. أسئلة هامة أشغلت وأثقلت وأهمت الدارسين والباحثين منذ عشرات السنين ولما تنته الإجابة بعد.
وهنا يرد سؤال آخر كبير: هل كانت انتصارات وغلبة الملك عبدالعزيز عسكرية فحسب؟..
كلا.. بل كانت انتصاراته الأدبية والأخلاقية والمعنوية أكبر من ذلك.. لدرجة أن الملك عبدالعزيز يثق ويطمئن إلى أن خصمه انقلب من عدو لدود إلى ولي حميم، ولن يفكر هذا العدو بالانقضاض عليه حتى لو أتيحت له الفرصة لذلك.
وهو ما عبر عنه نصاً الأديب البارع والمؤرخ فهد المارك رحمه الله في كتابه من شيم الملك عبدالعزيز.
كيف يمكن تصور أن قمة انتصارات الملك عبدالعزيز حين يتحول بالفعل أعداؤه إلى أصدقاء وأقارب، بل أقرب خاصته يخلون به ويثق بهم ويمنحهم القرب الفريد.
حقاً إنها صفات تعجب منها وندرك من خلالها أننا أمام شخصية عظيمة قلَّ أن يجود الزمان بمثلها.
ومن غير تسمية للخصوم السابقين الذين أصبحوا لاحقاً يتقدمون الصفوف في الدفاع عن مشروع الملك عبدالعزيز الوحدوي الكبير.
لذا لم يكن غريباً أن ينبهر الرحالون والمؤلفون بهذا الزعيم الكبير وتلك الروح المتسامحة المتصالحة والتي لم تنزع للانتقام يوماً أو يكون الغل والحقد قائداً لها.
كلا بل عاش بانتصاراته المعنوية والأخلاقية سعيداً أكثر من انتصاراته العسكرية.
لقد عاش الملك عبدالعزيز بهذا الأفق الواسع الذي استطاع من خلاله ترويض القلوب والعقول وتوحيدها قبل توحيد الأرض والبلاد.
فتنادى الناس جميعهم من أجل الانضمام تحت رايته بهجة بهذا المشروع الذي يجمع به الأمة ويتوحد الصف من غير غلٍ ولا حقد ولا ضغينة.
لا أسأل الناس عما في ضمائرهم
ما في ضميري لهم عن ذاك يكفيني
إن من المؤكد أن من عظم أسباب هذا الاستقرار واللحمة الكبيرة التي تعيشها بلادنا بين ولاة الأمر والمواطنين أن الوطن الكبير لم يقم على أحقاد وصيحات انتقام أو مجد شخصي مجرد.
بل كان يطمح كما هو الواقع اليوم إلى إقامة مشروع وحدوي كبير تدفن فيه الضغائن وتحترم فيه الحقوق ويعيش الناس سواسية في ظل شريعة الإسلام وعدله.
وكانت تطبيقات الشريعة هي المظلة الآمنة التي يستطيع الحاكم العادل أن يجمع الأمة عليها لا تلك الشعارات البراقة والألوان الكاذبة للديمقراطيات المتدحرجة.
ها هي المملكة اليوم وهي تعيش يومها الوطني الثالث والثمانون تحتفي بهجة وشكراً على المنعم المتفضل وهو الله سبحانه وتعالى ثم للمؤسس الصادق الذي حق علينا أن نتذكره في كل مناسبة وأن ندعوا له بالرحمة والغفران فلولاه بعد الله لظلت هذه الجزيرة ممزقة تعصف بها في كل اتجاه.
فلله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
d-almushaweh@hotmail.comفاكس: 014645999