|
إعداد - منيف خضير:
وفقاً لمجلة الدارة (عدد 2 عام 1433هـ) فهذا الكتاب مضى على طبعه أكثر من ثلاثين عامًا، ولأنه أعِدّ سنة 1369هـ - 1950م باسم (السجل الذهبي) أو (ابن سعود: منشئ دولة ومجدّد أمة)، وكان هذا التاريخ احتفالاً بالذكرى الخمسينية، لمرور خمسين عاماً على استرداد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مدينة الرياض قام على إعداد مادته مجموعة من الباحثين والمسؤولين في الإدارات الحكومية، ثم جال الزركلي فيه نظرة ثانية بعد وفاة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- سنة 1373هـ- 1953م ونسخة الكتاب معدّة للطبع، فجعل الحاضر من الوقائع ماضيًا، والحديث عن الملك عبدالعزيز في حياته خبرًا عنه بعد وفاته، وأضاف إلى الكتاب فصولاً اقتضاها سياق الحديث، وحوّل اسمه إلى (الملك عبدالعزيز في ذمة التاريخ). وكان للملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- دور فاعل في نشر هذا الكتاب عندما سأل الزركلي عام 1383هـ - 1964م: ما صنع الله بالحبيس؟ مضى عليه ما يقارب خمسة عشر عامًا، فبادر الزركلي -رحمه الله- من فوره النظر فيه النظرة الأخيرة، وحقّق في تحرّ وتؤدة ما كان في حاجة إلى التحقيق، وزاد فيه وأنقص قبل تقديمه للطبع. وقد مُنح الزركلي لإتمام عمله - وكان على ملاك وزارة الخارجية - إجازة غير محددة، واختار الإقامة في بيروت، وأعطاه الملك فيصل شقة مطلة على البحر وسيارة وسائقاً، وطابعة وخادمة، لأن أولاده في القاهرة. والذي أدى إلى متابعة الزركلي إخراج هذا الكتاب أمران:
الأول: فضل الملك عبد العزيز عليه، فقد آواه بعد تشردٍ وحُكمٍ عليه بالإعدام من قبل الفرنسيين، وقدّمه في مناصب الدولة، ومنحه الجنسية السعودية، ومثّل حكومته في مؤتمرات دولية عدة، وأحسن إليه أولاد الملك عبدالعزيز؛ فكان هذا الكتاب وفاءً للملك عبد العزيز وللأسرة السعودية المالكة.
الثاني: إعجاب الزركلي بسيرة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- التي يقول فيها:
«وفي سيرة الملك عبدالعزيز في نصف قرن مضى، سيرة (أمة) تحولت من الركود إلى النشاط، ومن الفتنة إلى الأُلفة، ومن نزعات العصبية الجاهلية والفوضى إلى الإيمان والنظام، ومن الفاقة إلى اليسر، ومن الاستغراق في السبات إلى الأخذ بالأسباب».
وهذا الكتاب هو أوفى كتاب في موضوعه، جمع أخبار الملك عبدالعزيز، ووصف أحواله العامة والخاصة، وأسرته وأهل بيته، وهذا لا تجده في أي كتاب آخر، وذكر فيه صلة المملكة العربية السعودية بالأمم الأخرى، وركّز تركيزًا جيدًا على قضية فلسطين، وتفاني الملك عبدالعزيز في خدمتها، وهذا يعكس الجوانب المشرفة للمملكة العربية السعودية في خدمة فلسطين. وجمع فيه خلاصة تاريخ الدولة السعودية في الدور الأخير على يد الملك عبدالعزيز وما رافق ذلك من حروب وفتن، ومعاهدات ومراسلات، ومهّد للحديث عن الملك عبدالعزيز بخلاصة سيرة أسلافه مبتدئًا بالأمير سعود بن محمد بن مقرن، جدّ آل سعود، ومؤسس حكمهم، فابنه الإمام محمد بن سعود، وانتهى إلى سعود الكبير ابن عبدالعزيز، وأثبت فيه للفائدة مساحة المملكة العربية السعودية، وعدد سكانها ومدنها، ومرتفعاتها وهضابها وصحاريها ومحافظاتها.
أجزاء الكتاب وفصوله
ضم الكتاب أربعة أجزاء في مجلدين في صفحات بلغ عددها (1456) صفحة، أما فصول الكتاب -وهي غير مرقمة- فقد بلغت (184) فصلاً تتراوح ما بين صفحة واحدة و(38) صفحة، حُلِّي كل فصل منه باسم (الملك عبدالعزيز)، ويعلّل ذلك بقوله: «لأنه تاريخ ما وفّق الله إليه عبدالعزيز»، وقد زيّن الكتاب بـ(126) صورة للأعلام المذكورين في الكتاب، منها (33) للملك عبدالعزيز في مراحل مختلفة من حياته، وبثلاثة خطوط منها خط للملك عبدالعزيز، وزيّنه أيضًا بـ (62) صورة لأماكن مختلفة من السعودية، ولبعض المشروعات التي أقيمت فيها. مصادر الكتاب:
1 - ما رآه وما سمعه من المقربين من الملك عبدالعزيز خصوصًا يوسف ياسين.
2 - المشافهة والمراسلة.
3 - مذكراته الخاصة.
4 - حمد الجاسر الذي قرأ الكتاب عليه.
5 - الوثائق الرسمية.
6 - تقارير الجهات الحكومية.
7 - الكتب الآتية:
- تاريخ نجد لأمين الريحاني.
- مخطوطة أو مذكرات خالد الفرج.
- صقر الجزيرة لأحمد عبد الغفور عطار.
- جزيرة العرب في القرن العشرين لحافظ وهبة.
محاسن الكتاب
1 - أسلوبه السهل الممتنع، فهو لم يفارق شاعريته في نثره، فمع كبر حجم الكتاب إلا أن قارئه لا يملّ القراءة فيه.
2 - الدقة في المعلومات، فقد كان مقربًا من الملك عبدالعزيز وأولاده ورجاله، واستقى المعلومات من رجال عاصروا أحداث الملك عبدالعزيز ووقائعه.
3 - الجمع بين الروايات المختلفة، كالطريقة التي دخل بها الملك عبدالعزيز حصن الرياض، واسترداده إياها عام 1319هـ - 1902م ووقعة روضة مهنا بين الملك عبدالعزيز وعبدالعزيز بن متعب بن رشيد، ومقتل ابن رشيد فيها.
4 - إثباته صورًا نادرة للأعلام، والأماكن والمواقع التي درست، وإثباته صورًا لما كانت عليه المملكة إبّان إنشائها؛ مما يعطي هذه الصور قيمة تاريخية.
5- مناقشة الروايات التاريخية، ونفي أباطيلها، ووقوفه عندها، كاتصال القنصل الروسي في البصرة بالملك عبدالعزيز عام 1320هـ - 1903م، وعرضه عليه السلاح والمال أيام حروبه مع ابن رشيد، اعتمادًا على ما جاء في كتاب (دليل الخليج) لوريمر الذي أذن الإنجليز بنشره عام 1380هـ - 1960م، أي بعد مرور خمسين سنة على حوادثه، على اعتبار أن طابع السرية غلب عليه فيقول: «أما الملاقاة فأمر محتمل الوقوع، ولا يجهل أحد أن روسيا السوفيتية - بعد نيف وعشرين عامًا من المقابلة - كانت أولى الدول اعترافًا بالمملكة العربية السعودية. وأما عرض السلاح والمال عليه أيام حروبه مع ابن رشيد، فلم يُعرف أن عبدالعزيز تلقى شيئًا منها في ذلك الحين ولا بعده»، بل يذكر التباين في هذا الكتاب؛ مما يضعف الثقة في كتاب تصوره الحكومة البريطانية، ثم يقول: «وفي الكتاب أغلاط تاريخية عدة تدل على أن الاستخبارات البريطانية كانت في تلك الفينة تعتمد في أخبار قلب الجزيرة على الشائعات من دون تثبت، وفات «لوريمر» أن يتنبه إلى مثل هذا فيصلحه»، وكوقوفه عند تحليل بعض المؤرخين في عودة ابن رشيد إلى (الحَفَر) بعد إقامته (75) يومًا قرب الرياض بتحليلين: الأول: ما يراه الريحاني وهو أنه عجز عن الهجوم على الرياض، والثاني: ما يراه خالد الفرج، وهو أنه: رأى تطويق الرياض بالحصر الاقتصادي، وقطع ما بينها وبين الأحساء والكويت من المواصلات، فيقول: «ونحن لا نرى في التحليلين ما يصح الوقوف عنده؛ ذلك لأن ابن رشيد وهو زاحف بقوة كبيرة - لم يذكروا عددها التقريبي - لا يعقل أن يرى في نفسه العجز عن مهاجمة الرياض بعد أن أصبح على مقربة منها؛ فيقفل راجعًا من دون غارة، أو محاولة على الأقل، وهو الشجاع الذي ذكروا أن شجاعته بلغت حدَّ الهوَس، وأما أنه أراد الحصر الاقتصادي، فهذا لا يحتاج إلى جيشه كله، بل تكفي فيه قوة يسيرة تنتقل في بلاد أكثرها داخل في حكمه، فتحول بين اتصال الأحساء والكويت بنجد، فلا بد إذن من سبب غير هذين أو يضافان إليه».
6 - نثره الفوائد اللغوية، وتبيان المصطلحات الشعبية، فمن الفوائد اللغوية، ما ذكره في (الهيل): «وهو العنصر الغالب على القهوة في جزيرة العرب، ويقال له: الهال، و»حبّ الهان» فإن اسمه الفصيح «القاقُلّة» كما في القاموس، وكما هو في بلاد المغرب، وأول مرة سمعت بهذا اللفظ من أهل المغرب، ولا يعرفون الهيل ولا الهال، إلا أنهم يحرفونه، فيقولون: «القَعْقُلَّة»، ويتفاصح بعضهم فيقول: قاع القلة» لظنه أنه سُمي بذلك تشبيهًا له بالنتوء البارز في أسفل القلة».
ومنها أيضاً تعليقه على قول ابن رشيد: «من هان» قائلاً: «يقول أهل حائل: «من هان» بتفخيم الهاء، أي من هنا، وأهل نجد يقولون: «من هنا» بسكون الهاء، وقد يدغمونها بالنون فتجيء «من نا»، وهي في مصر بكسر الهاء، وفي سورية والأردن بضم الهاء «هون»، وفي لبنان بفتح الهاء وسكون الواو «هاون» و»هون» أو بفتح الهاء وسكون النون «هن».
ومن تبيان المصطلحات الشعبية (العرضة) فيقول فيها: «العرضة صورة مصغرة من الزحف إلى المعركة، بل هي تمثيل لمعركة المشاة، ينقصها العَدْو. يصطفّ بها المقاتلون، ويهزجون ويتحمسون وينتخون ويلبون بالسيوف، يشترك فيها الملك والأمراء».
7 - تقبُّله للنقد وإثباته التصحيحات التي ترد إليه، ومثل هذا في كتابه الأعلام كثير، كالذي تراه في تصحيح الشيخ ابن باز - رحمه الله - لكلام الزركلي عن حقيقة الخلاف بينه وبين الأستاذ عبدالله السليمان (وزير المالية) إبان عمل الشيخ ابن باز -رحمه الله- قاضيا في الخرج، فقد أثبت الزركلي في حاشية الصفحة التي تناولت هذا الخلاف نص الخطاب الذي أرسله الشيخ ابن باز توضيحًا لحقيقة هذا الخلاف، وتجلية للحقيقة.
8 - إثباته خصوصيات للملك عبدالعزيز ربما لا تراها في كتاب آخر كالحديث عن نسائه كلهن؛ فيذكر الاسم كاملاً، وما أنجبت له من الأولاد (ص953) وذوقه في الأسماء وحبه للمناقشة (ص399)، وبعض خصائصه وعاداته، مثل: مواعيد استيقاظه وإفطاره وخروجه إلى المجلس الخاص، ثم إلى المجلس العام، وكذا إلى أن ينام، وطريقة كلامه ومائدته وطعامه وقهوته (ص625-631)، وكذكره أخوته، وبنيه وأحفاده وأبناء أحفاده في حياته ( ص 1400 - 1408).
مآخذ على الكتاب
1 - تداخُل أخباره واضطراب ترتيبه.
2 - كثرة النقول، وهي نحو نصف الكتاب، وبعض هذه النقول غثّة لو سلم منها الكتاب لكان أحسن. ومن ذلك المقال الذي أورده عن عبدالله فلبي، وَصَف فيه الحج (ص1340-1343)، فهو (أي فلبي) لم يُوفَّق في وصفه. وقد وزّع المؤلف هذه النقول في تضاعيف الكتاب، وما شاء أن يجعلها في صعيد واحد، وإن كان المفروض أن تكون كذلك، ولكنه خشي من استئثارها بجانب كبير منه مجتمعة فوزّعها.
ويقول شيخنا حمد الجاسر رحمه الله: «ومع أن الزركلي من مشاهير مؤرخي العصر؛ لما يتصف به من سعة الإدراك، وعمق النظرة، ومحاولة التحرّي للحقيقة، إلا أنه في مؤلفه الأول (شبه الجزيرة) اتجه للتوسُّع في الموضوع، وإكثار المادة بصرف النظر عما ينقل عن المصادر، وإن كانت له وقفات متأنية، وخاصة عند ذكر بعض القضايا التاريخية».
هذا وقد استحسن الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- هذا الكتاب إلا أنه رأى اختصاره لتسهل مطالعته والاستفادة منه، فتمّ هذا بكتاب (الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز) بعد أن نظر فيه؛ فجمع ما هو من أخبار الملك نفسه، وبعد أن قلّل كثيرًا من النقول، والزركلي -رحمه الله- بهذين الكتابين، قد خدم الناس مرتين، الأولى حين خدم العلماء والباحثين في كتاب موسع عن الملك عبدالعزيز وشبه الجزيرة في عهده. والأخرى: حين خدم الناشئة والطلاب بتصوير حياة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لا زُلفى في وضعها ولا باعث إليها إلا خدمة التاريخ في شخص رجل من كبار رجاله، مكتفيًا عن الكثير بالقليل، وبالخلاصة عن التفصيل. وتقوم دارة الملك عبدالعزيز حاليًا بالتنسيق مع ناشر الكتاب وورثة خير الدين الزركلي لإعادة ترتيبه وتنظيمه وإعداد فهارس موسعة له تفيد الباحثين؛ وذلك لكثرة المعلومات فيه وحاجتها إلى التنظيم.