|
د. عبدالملك بن عبدالرحمن آل الشيخ:
تولي المملكة العربية السعودية اهتماما بالغاً بقضية المياه ، ولم تدخر حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين جهدا أو مالاً في سبيل دعم الأبحاث وتطوير القدرات لما يحفظ ويعزز هذا المورد الهام في وطننا الغالي ، وبحكم تخصصي وفي ذكرى اليوم الوطني لبلدنا الغالي أردت انتهاز هذه الفرصة لتسليط الضوء على هذا الجانب المشرق والنجاحات التي تم إنجازها في هذا القطاع الهام والحيوي وتفاعلا مع ما نشرته صحيفة «اليوم» في عددها الصادر بتاريخ 19 شوال 1434هـ الموافق 26 أغسطس 2013م على مقال لسعادة الدكتور محمد حامد الغامدي بعنوان «كيف نحول المطر إلى مخزون استراتيجي؟»
ولايسعني في البداية إلا أن اشكر سعادة الدكتور الغامدي على إثارة هذا الأمر من باب الغيرة والحرص الوطني لما تُشكله الأمطار من مورد هام للمياه بالمملكة إذا تمت إدارته بطريقة علمية سليمة.
ومن الجدير بالذكر أن معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء بجامعة الملك سعود له تجارب ناجحة منذ عام 1425هـ وحتى الآن في حصد مياه الأمطار والسيول حيث قام بتصميم وتنفيذ «مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول بالمملكة» و»مشروع الأمير سلطان لإعادة تأهيل القرى والهجر بالمملكة» بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، كما حظي بتوجيه ودعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، ودعم معالي مدير جامعة الملك سعود حفظه الله.
وقد قمنا بنشر عدة مقالات حول حصد وخزن مياه الأمطار والسيول وكيفية الاستفادة منها كمخزون استراتيجي في كثير من الصُحف الصادرة بالمملكة على مدار الأعوام الماضية، كما تم نشر العديد من الأبحاث العلمية التي تتعلق بحصد مياه الأمطار والتأقلم مع التوقعات المستقبلية في التغيرات المناخية في المجلات العالمية المحكمة.
استهدفت مشاريع المعهد زيادة المصادر المائية بالمملكة بالاستفادة من مياه الأمطار والسيول إما بخزنها في الطبقات السطحية المتأثرة بالضغط الجوي للمحافظة عليها من التبخر بجانب الاستفادة منها في التخفيف على المخزون الأزلي كي تستفيد منه الأجيال القادمة. أو بتحويل مياه الأمطار إلى غدران اصطناعية لاستخدامها مباشرة ولفترات أطول، بجانب الحد من مخاطر السيول التي تحدث نتيجة للأمطار التي تسقط على المملكة بغزارة خلال فترات زمنية قصيرة.
تتلخص فوائد هذه المشروعات في تأمين المياه لسكان القرى والهجر والبادية وسقيا الماشية والمزروعات، إعادة تأهيل القرى والهجر للحد من الهجرة منها إلى المدن المزدحمة بسبب نقص المياه، تحقيق الزراعة المستدامة في المناطق الزراعية التقليدية الواقعة على ضفاف الأودية والتي أصبحت تعاني من نقص الماء بسبب ضعف المخزون المائي لعدم استفادتها من مياه السيول، بجانب تأمين مخزون استراتيجي من المياه حول المدن والقرى للاستفادة منه وقت الحاجة.
ويعتمد أسلوب الغدران الاصطناعية في حصد مياه الأمطار والسيول على إنشاء غدران اصطناعية (حفائر تخزينية) كبيرة يتم فيها تحويل مياه السيول المتدفقة في الأودية نحو الغدران. يتم اختيار وتحديد مواقع الغدران بعناية فائقة بعد دراسة الظروف المناخية والوضع الطبوغرافي والبيئي للمنطقة والاستعانة بتقنيات الاستشعار عن بعد وصور الأقمار الصناعية والنماذج الأرضية الرقمية ثلاثية الأبعاد لتحديد أنسب المواقع لإنشاء وتنفيذ هذه الغدران. يتم إنشاء الغدير الاصطناعي على ممر مائي بالقرب من أماكن حاجة سكان البادية والهجر للمياه. والهدف الرئيس من هذه الغدران هو السقاية وليس التغذية الجوفية للمياه ويتم التحكم بمنع ترشيح المياه بعمل طبقات عازلة في أرضية الغدير. ويتم التحكم هندسياً بأبعاد الغدير بما يتناسب مع حاجة أهالي المنطقة ومعدلات الأمطار وبتصميم يعمل على تخفيف التبخر من الغدير عن طريق زيادة عمق الحفرة وزراعة أشجار حوله كمصدات للرياح وإنشاء الغدير بشكل عمودي على اتجاه الرياح. ويمكن الاستفادة من المياه وسحبها من الحفرة بواسطة أنابيب تقام على مستوى أرضية الغدير وترتفع خارجها لتزويد الصهاريج بالمياه. وتوضح الصور التالية مراحل إنشاء أحد الغدران وتخزين مياه الأمطار فيه حتى استفادة الأهالي منها في ضرما.
كما اعتمد أسلوب آبار التغذية الاصطناعية في أحواض السدود على حفر آبار للتغذية الاصطناعية في بحيرة السد بمواصفات علمية يستعان فيها بأسس تحديد الأبعاد والأعماق والانحدارات الملائمة للمنطقة والظروف المناخية والبيئية المحيطة بها مما يؤدي إلى وصول المياه إلى آبار المزارع المجاورة وزيادة منسوب المياه فيها وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من السدود القائمة والمنتشرة في أماكن كثيرة من المملكة، والتي يتجاوز عددها 230 سـداً بما يحقق زراعة مستدامة مع تقليص الاعتماد على المياه الجوفية الأزلية وخاصة تلك السـدود القريبة من المدن ذات الكثافة السكانية العالية، والسدود القريبة من الواحات والأماكن ذات التربة الرسوبية العميقة القابلة للزراعة المروية. وبالإضافة إلى الخزن الجوفي في أحواض السدود القائمة يمكن القيام بعملية التغذية الجوفية خلف سدود خرسانية أو ركامية صغيرة يتم إنشاؤها في الممرات المائية وخاصة قرب القرى والهجر لخزن أكبر كمية من المياه وهي سدود قليلة التكلفة صغيرة الحجم بارتفاع لايزيد عن متر ونصف (بواقع سدين أو ثلاثة على نفس الممر المائي).
وتوضح الصور التالية آبار التغذية الاصطناعية في حوض أحد السدود وتخزين مياه الأمطار تحت السطح.
أوضحت نتائج مشاريع المعهد المسجلة خلال تسعة أعوام (من 1425 حتى 1434هـ) أن حصد مياه الأمطار والسيول قد لقي نجاحاً كبيراً في توفير مياه الأمطار سواءً ضمن الغدران الاصطناعية حيث استفاد منها أهالي القرى والهجر القريبة في ري مزروعاتهم وشُرب الماشية. أو في زيادة منسوب المياه في آبار المزارع القريبة من السدود نتيجة للخزن الجوفي في أحواض السدود وذلك لفترات زمنية تراوحت بين شهرين وخمسة أشهر تبعاً لكمية الهطول المطري وزمن الهطول على مدار العام.
والجدير بالذكر أن هذه الأساليب المتبعة في حصد وخزن مياه الأمطار والسيول قد أُقرت من قبل المجلس العربي للمياه، وفي عام 2011م وجه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد حفظه الله وزارة المياه والكهرباء لدراسة المشروع بغرض تعميمه على جميع مناطق المملكة.
- المشرف على معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء