تونس - فرح التومي - الجزيرة:
خاب ظن التونسيين في النخبة السياسية، وتراجعت مساحة الأمل لديهم في توصل الفرقاء السياسيين إلى حل توافقي، يضع حدًّا للأزمة السياسية الخانقة التي تعيش البلاد على وقعها منذ شهرين، وتحديداً منذ اغتيال السياسي المعارض محمد البراهمي واغتيال إرهابيين مسلحين ثمانية جنود بأحد الجبال بالجنوب التونسي. فقد أُعلن رسمياً عن تعثر المفاوضات في جولتها الأخيرة التي ارتكزت على خارطة طريق اقترحها اتحاد الشغل والمنظمات الراعية للحوار معه فحسب، بل إن اتحاد الشغل كشف صراحة عن مخططه الذي ينوي تنفيذه قريباً في حال فشل الحوار نهائياً، وهو مخطط وُصف بالخطير؛ لأنه يمكن أن يؤدي إلى المجهول الذي سعت الترويكا إلى تجنيب البلاد الوقوع فيه.
وبذلك تكون الأوضاع السياسية قد دخلت منعرجاً خطيراً، ينبئ بفترة صعبة على الشعب التونسي الذي يئن من وطأة ارتفاع الأسعار، وتفشي البطالة بشكل غير مسبوق، وانخرام الأمن وغياب الاستقرار وهروب المستثمرين وانهيار الاقتصاد. فلم تنتظر حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم طويلاً للتعليق على ما صرح به الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل بمعية المنظمات الأخرى الراعية للحوار السبت، وأعلن أن الحزب الحاكم وراء تعطل المفاوضات في مرحلتها الجديدة حول خارطة الطريق المنبثقة من مبادرة الرباعي الراعي للحوار.
فقد كانت اللهجة الحاسمة والمتشنجة التي اعتمدها العباسي في الحديث إلى وسائل الإعلام إعلاناً في حد ذاته على فشل الجولة الجديدة من المشاورات التي رعاها، وجمعت حكومة الترويكا والمعارضة، وإن بصفة غير مباشرة. وكان من الواضح أن اتحاد الشغل صدم هو الآخر بضبابية آخر بيان لحركة النهضة، الذي أكدت من خلاله «قبولها بخارطة طريق الاتحاد دون قيد أو شرط»، والحال أنها ظلت ترفض مبدأ استقالة الحكومة قبل استكمال الدستور وانتهاء مهام المجلس التأسيسي الذي انتخبه الشعب لأجلها. وقالت النهضة في ردة فعلها على ما جاء في الندوة الصحفية للرباعي المتفاوض إنها فوجئت بما تضمنته من تصريحات لرموز نقابية، مضيفة بأنها تصريحات تؤكد مسعى جلياً «لتحميل النهضة فشل الوصول إلى الحوار الوطني، والحال أن الترويكا والحركة قدمت مواقف واضحة، تتمثل في القبول بالمبادرة والدعوة إلى الانطلاق الفوري في الحوار للاتفاق على تفاصيلها في مختلف أبعادها من صياغة الدستور، وتحديد موعد الانتخابات وتشكيل الحكومة». وقالت النهضة في البيان ذاته: «كنا ننتظر من الرباعي تحديد موعد بداية الحوار، فما راعنا إلا والندوة الصحفية تركّز على موقف الترويكا والنهضة دون التوقف عند موقف جبهة الإنقاذ الداعي إلى الحل الفوري للحكومة، واعتبار مبادرة الرباعي قاعدة للحوار الوطني». وجددت تأكيدها بأنها «مع الحوار والتوافق من أجل إدارة شؤون البلاد والعبور بها من هذه المرحلة الانتقالية إلى إجراء انتخابات في أسرع الآجال بعد إنهاء الدستور والقانون الانتخابي والهيئة المستقلة للانتخابات، في أجل لا يتجاوز ثلاثة أسابيع إذا تضافرت كل الجهود».
وفي تسارع غريب للأحداث، دعت الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل التي التأمت في اجتماع طارئ قبل صدور بيان النهضة الجهات والقطاعات إلى تنظيم تجمعات عمالية ومسيرات جهوية، تشفع بتنظيم مسيرة وطنية كبرى في الأيام القليلة المقبلة، وذلك في إطار التنسيق التام مع الرباعية الراعية للحوار الوطني.
الهيئة الإدارية للاتحاد قررت بإجماع أعضائها كافة اتخاذ كل الأشكال النضالية المدنية السلمية من أجل تفعيل مبادرة الرباعي المتفاوض، محذرة من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في البلاد، وتأثيرها السلبي على مصلحة الشغالين.