|
في توثيق للتاريخ خصنا به في «الجزيرة» صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن محمد بن عبدالعزيز تحدث فيه سموه عن بعض ما سمعه وحضره في مجلس المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وما عايشه من مواقف تاريخية لا بد من تدوينها واطلاع الأجيال عليها، وفيما يلي بعض هذه المواقف:
) حيث كان الملك عبدالعزيز ينوي توحيد المذاهب الأربعة، والجميع يعلم أن أهل كل مذهب قبل وقت الملك عبدالعزيز كانوا يصلون بمفردهم في الحرم، وعندما انضمت الحجاز تحت حكمه - رحمه الله - جمعهم على إمام واحد، وقد حضرت جلسة الملك عبدالعزيز، وكانوا يتناقشون في المذاهب، وقال الملك عبدالعزيز: «نحن نعترف بجميع المذاهب، وهي على حق، والاختلاف بينها في الفروع فقط، أما الأصول فهي متفقة فيما بينها، وكل إمام عندما ينتهي من درسه يقول أنا بشر أخطئ وأصيب، خذوا مني مما أخذت من الكتاب والسنة، ونحن اخترنا مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وإلا فإننا نعترف بالمذاهب جميعاً، والأساس واحد».
) وأذكر مناسبة حضرتها عند الملك عبدالعزيز، وكعادته كان يجتمع بالعلماء كل يوم خميس، وكان غاضباً، وقال لهم: «إنني سمعت أنكم تهاونتم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنا ما قصرتُ معكم بشيء، لا بالشرطة ولا الخويا من أجل أن تقوموا بواجبكم». وعندما انتهى من كلامه التفت إلى الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية -رحمه الله- وقال له: «وش تقول بكلامي هذا يا شيخ؟» فرد عليه الشيخ، وقال له: «يا طويل العمر، أنت ما قصرت، وذمتك بريئة، وقمت بواجبك وأكثر، وإن كان فيه قصور فهو منا، فرد عليه الملك عبدالعزيز «من ذمتي لذمتكم»، فقال الشيخ «إن شاء الله ما نقصر، وحسب استطاعتنا، وأنت ذمتك بريئة، وما يلحقك شيء، وأديت واجبك ناحية دينك ووطنك والمسلمين».
) وأذكر موقفاً للملك عبدالعزيز، وكان مجتمعاً بالعلماء، وعندما أنهوا جلستهم، وكان الملك عبدالعزيز خارجاً فرأى أحد العلماء، وكان كفيفاً يبحث عن حذائه، وقد تجاوزه، فذهب الملك عبدالعزيز إليه، وأخذ الحذاء، وألبسه للعالم الكفيف بنفسه.
) وسمعت موقفاً للملك عبدالعزيز، وكان على مطيته، وأتاه رجل، وقال له وقّع هذه الورقة، فقال له الملك عبدالعزيز أعطيني إياها عشان أوقعها، فرفض الرجل، وقال له نوخ ذلولك وانزل ووقعها، فأناخ ناقته، ونزل للرجل، ووقع ورقته حسب طلب الرجل تواضعاً وحسن تعامل مع مواطن تعامل مع الملك عبدالعزيز بعفوية.
) وأذكر موقفاً للملك عبدالعزيز عندما كان يسافر للحجاز - وكعادته - يعطي مبلغاً من المال لمرافقه ماجد بن خثيلة؛ حتى يوزعه على من يجدهم في الطريق من البادية. وفي مرة من المرات، وفي طريق عودته من الحجاز، وعندما وصل مركز المويه (امرح) فيه، وقد حضرت في مجلسه ذاك، وعندما وصل ماجد بن خثيلة وهو يمشي من خلفه كعادته سأله الملك عبدالعزيز وقال له «عسى ما تعديت أحداً ما عطيته»، فرد عليه ماجد، وقال «يا طويل العمر، كلهم يدعون لك بطول العمر»، فقال الملك عبدالعزيز «يا أخوي هذه أمانة في أعناقنا».
) وأذكر موقفاً للملك عبدالعزيز عند مرض الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - وزاره الملك عبدالعزيز في قصره بالسويدي، وكنت مرافقاً للملك عبدالعزيز، ودخل عليه، وانتظرت أنا في الصالة، وعندما خرج الملك عبدالعزيز من عنده رأيت دمعة الملك عبدالعزيز وهو يقول «لا حول ولا قوة إلا بالله، راح تركي -رحمه الله- وراح منصور -رحمه الله-، والحين بيروح سلطان {إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ}». والحمد لله عافاه الله من هذا المرض، وخدم دينه وبلده وأهله ومواطنيه.
) كما أذكر أول تبرع لشعب فلسطين في وقت الملك عبدالعزيز لمساعدة الشعب الفلسطيني من الملك وأفراد العائلة والمواطنين، وكان أول من رأس اللجنة سيدي الوالد الأمير محمد بن عبدالعزيز، وبعد ذلك أناب عنه برئاسة اللجنة سيدي العم ولي العهد الأمير سلطان، وقد طلب الوالد الأمير محمد من الملك عبدالعزيز إن كانت لديه نية لأي حملة توجَّه إلى الحرب على إسرائيل أن أكون قائدها، فرد عليه الملك عبدالعزيز «إن شاء الله، إن الأمور في خير، وأنت أهل لذلك». وقد زار سيدي الوالد الجبهة في فلسطين، وتفقدها دون أن يحس أو يعلم به أحد، كما زار أيضاً الجبهة عمي منصور بن عبدالعزيز -رحمه الله- لأنه كان وزيراً للدفاع.
) ويذكر سيدي الوالد عندما كانوا في مصر مع الملك عبدالعزيز، ويقول «اتصل الملك فيصل - رحمه الله - تليفونياً، ورددت عليه وكلمته، وقال لي (أبكلم) الوالد وأطمئن عليه، وإن كان مرتاح ولا بعيد بكلمه في وقت ثاني»، وقلت له: «انتظر على التليفون بروح أقوله»، ورحت وقلت للملك عبدالعزيز: «فيصل على التليفون وهذا ما يقوله»، ورد علي الملك عبدالعزيز: «يا محمد إذا ما كلمنا فيصل من نكلم (كررها ثلاث مرات)»، وقال رح جب التليفون ونادي إخوانك يكلمون أخوهم».
) يقول سيدي الوالد في إحدى سفرات الملك عبدالعزيز، وكان خارجاً من الحجاز ومتجهاً للرياض، وعندما وصل مركز الدوادمي كلمه الملك فيصل، وكان وزيراً للخارجية ونائباً للملك في الحجاز، وقال له: «إن سفير بريطانيا (طالب) يقابل الملك عبدالعزيز للضرورة». ورد عليه الملك عبدالعزيز وقال: «تعال أنت وإياه في الطيارة لنا في الدوادمي»، وفعلاً جاء وقابله لأجل أن الإنجليز يبغون الملك عبدالعزيز يسلمهم رشيد عالي الكيلاني رئيس وزراء العراق سابقاً الذي (زبن) على الملك عبدالعزيز (لجأ ودخل عليه)، وجلس السفير والترجمان مع الملك عبدالعزيز، وكان الملك فيصل بعيداً عنهم عند باب الخيمة، وغضب - طيب الله ثراه - عندما علم بالطلب وأمال بيده على السفير، وقال له «لن نسلمه ولو نفداه كلنا»، وقام السفير، ومر على الملك فيصل عند باب الخيمة، وقال له «أنا بتحمل موقف الملك عبدالعزيز ولن أخبر حكومتي»، فرد عليه الملك فيصل بأن الملك عبدالعزيز لم يفعل ذلك إلا لأنه يريدك أن تخبر حكومتك بما حدث، وكان السفير يظن أن الملك فيصل سيشكره، ويطلب منه ألا يخبر حكومته بما حدث.
) وسمعت من سيدي الوالد الأمير محمد بن عبدالعزيز أن هناك قائداً أمريكياً كبيراً زار الملك عبدالعزيز، وبعدما تحدث معه قال للملك «أود أن أسأل جلالتكم سؤالاً»، فرد عليه الملك عبدالعزيز «اسأل»، فقال القائد «يذكرون عن جلالتكم قادة من زملائي يقولون إذا أقبلنا على الملك عبدالعزيز أحسسنا بهيبة، وإذا جلسنا معه وتحدثنا أحسسنا براحة وانشراح في الحديث معه، سؤال لجلالتكم: ما سبب ذلك؛ لأنه أحسست به الآن؟»، فرد عليه الملك عبدالعزيز، وقال «هذا من فضل ربي».
) وأذكر في إحدى المرات أني كنت أذكر للملك فهد -رحمه الله- موقفاً وكلمة حدثت بينه وبين الملك عبدالعزيز، وقال لي الملك فهد «وتذكر أنت يوم تروح لأبوك عبدالعزيز تطلب سيارة ونادى الملك عبدالعزيز عبدالرحمن الطبيشي وقال له (قل للصانع يصنع سيارة لولدنا فهد)، والطبيشي راح على نيته وجاء بحداد من السوق، وقال للملك عبدالعزيز الصانع موجود، فرد عليه الملك عبدالعزيز (أنا أداعب ولدي فهد، شرهوا الصانع وخلوه بيروح ولا تعطلوه)».
) سمعت أن الملك عبدالعزيز عندما كان عمي الملك خالد -رحمه الله- طفلاً يلعب مع أقرانه من أبناء المواطنين، ورمي أحد الأطفال فأصابه في عينه، وذهب والد الطفل يشكو إلى الملك عبدالعزيز، فأمر الملك عبدالعزيز بإحضار عمي خالد، وعندما حضر عمي خالد قال الملك عبدالعزيز لوالد الطفل «هذا خالد عندكم، خل ولدك يصيب عين خالد كما أصاب عينه»، فقال والد الطفل «دام إنك حكمت وعدلت فأنا سامح، ولن تصيب عين ولدك، وهذا سبب من الله»، وكان هناك مهرة يحبها عمي خالد، وقال الملك عبدالعزيز «خذوها وعطوها المواطن وولده».
) سمعت الملك عبدالعزيز كان إذا أقبل عليه عبدالله الفيصل -رحمه الله- يقول له «الله يحيي نصف الدنيا».
) سمعت عن مقابلة الملك عبدالعزيز لحسن البنا رئيس جماعة الإخوان المسلمين، وعرض البنا على الملك عبدالعزيز فتح مكتب للإخوان في المملكة، ووافق الملك عبدالعزيز، وقال له «ما يخالف لكن من ستعينون في هذا المكتب؟»، واقترح حسن البنا اثنين من جماعة الإخوان، ورد عليه الملك عبدالعزيز وقال «نسيتوا واحد؟»، وقال حسن البنا «من هو؟»، فرد عليه الملك عبدالعزيز «أنا.. أجل حنا (منّا) مسلمين؟ كلنا إخوان مسلمين».
) أذكر في مرة أني كنت أنا وعمي ناصر أمير الرياض -رحمه الله- ننتظر الملك عبدالعزيز، وكان (جاي) من المربع لقصر الحكم، وبعدما وصل نادى البرقاوي، وقال له «معك مقص»، قال له البرقاوي «ايه معي»، وقال الملك عبدالعزيز «ناظر ثيابنا من يغط ثوبه في الأرض قصه، وأول ما تبدأ ابدأ بأميرنا أمير الرياض».
) وأذكر قصة حدثت بين محمد بن ماضي والملك عبدالعزيز، ومصادفة كنت مع الملك عبدالعزيز نازلين من قصر الحكم إلى المربع، وبعدما نزلنا بالمصعد، وظهر الملك عبدالعزيز بالعربية، وكنت أنا خلفه، وكان ابن ماضي مريضاً وجالساً منتظراً عبدالعزيز بيودعه؛ لأنه مسافر لبنان للعلاج، ومعه عكاز، وكان الملك عبدالعزيز (ماخذ) بخاطره عليه، وسافر ابن ماضي بعدها للبنان، وبالمصادفة سافرت أنا إلى لبنان، وزرت ابن ماضي في المستشفى، وكان مبسوطاً ومرتاحاً، وأعطاني كتاباً من الملك عبدالعزيز له، وقال لي «يا فهد، لو أموت الآن ما تحسفت لأني كتبت كتاباً للملك عبدالعزيز، وقلت له يا عبدالعزيز بن الرحمن أطلب من الله ثم منك وقبل أن أدري أنا الأول أو أنت الأول، وأنا ببريك وأبيك منك تبريني، وكل واحد يبري الثاني، عسى الله أن يسامحك ويسامحنا معك، وأنا أحسست إن في خاطرك من جهتي شيء، وأرجو من الله أن يسامحك، وأبيك تسامحني إن بدر مني شيء يغضبك، أو إن كان أحد ناقل لك شيء عني أغضبك.. خادمك محمد بن ماضي». ويقول «جاني رد من الملك عبدالعزيز يقول (جزاك الله خير إنك سامحتني وبريتني، والله يسامحك، وصدقت مدري من الأول أنا ولا أنت، وأنا مسامحك وراضي عليك، وجزاك الله خير.. عبدالعزيز». ويقول ابن ماضي «ويوم جاني هالكتاب وكأني ملكت الدنيا، وارتحت وانشرح صدري». وتوفي ابن ماضي في مرضه هذا.
) وأذكر موقفاً للملك عبدالعزيز، وكان في مجلسه الخاص بحضور (أخوياه) المقربين، وكان يمزح معهم، وقال لمولاه موسى (تعال خذهم واذبحهم)، وقام المولى بأخذهم قدامه وهم نازلون الدرج، ويوم انتصفوا قابلوا عمي سعود، وقالوا له (يا سعود هالمولى الخبل بيذبحنا ما تشوفه زبده ورحيته طاله)، وقال سعود (يا موسى ترى عمك يمزح معك)، ورد عليه موسى (لا.. أنا ما ينضحك علي)، وركض عمي سعود لعبدالعزيز وقال له (ترى هالخبل مصمل بيذبحهم)، قال له عبدالعزيز (إلحقهم وجبهم)، ويوم عاودوا قال المولى موسى للملك عبدالعزيز (هيه أنت ما ينضحك علي اضحك على غيري)، وأنا سألت موسى عن هذي القصة فيما بعد وقال لي (صحيح صحيح وأنا جهلت أحسبه مصمّل).
ـ وأذكر موقفاً للملك عبدالعزيز، وكان مع مرافقيه ويتبارون على رمي شبح، وكان الوالد يمشي من خلفهم وما شافوه، ورمى الشبح وطرحه، فالتفت الملك عبدالعزيز وقال (محمد جاء.. تعال تعال ابتبارى أنا واياك ومن بندقي وحزامي لبندقك وحزامك)، وتباروا وصاد الوالد الشبح وفاز على الملك عبدالعزيز، وقال الملك عبدالعزيز (هذا بندقي وحزامي)، ورد عليه الوالد (أما بندقك والفشق أباخذهم وأما حزامك ما هو جاي علي وبخليه لك).
) وأذكر في ليلة من الليالي أن الملك عبدالعزيز كان مريضاً «مرضه الأخير الذي توفي فيه» في الطائف، وفجأة صحا وقام وغسل، وكان وقت صلاة العشاء، وسأل عن الإمام، وقالوا له ما جاء، وقال للأمير سعود - الملك فيما بعد - تقدم وصل بنا العشاء، واحنا فرحنا وقلنا إن عبدالعزيز صحا وقام من مرضه، ولكن بعد هذه الليلة ما قام عبدالعزيز طيب الله ثراه.
) وفي مرض الملك عبدالعزيز الأخير وقبل وفاته بيومين أو ثلاثة أتينا للسلام عليه، وكان طيب الله ثراه إذا سلم عليه أحدنا في تلك المرة كان يمسك بأيدينا، وعندما سلمت عليه أنا قلت له (بشرنا عنك إن شاء الله إنك بخير)، فرد علي قائلاً (إلا أنتم وشلونكم أنتم بخير أنتم طيبين)، هكذا كان شعوره نحو مواطنيه وأبنائه، وكان يقول لعبدالرحمن الطبيشي (لا تنسوا الفقراء والمساكين ولا تنسوا المواطنين).
) وفي إحدى زيارات الملك سعود للأردن، وكنت برفقته، أعطانا استراحة، كل يذهب حيث شاء، وقررت أنا وخالي الأمير سعود بن سعد بن عبدالرحمن والأمير فهد بن محمد بن عبدالرحمن - رحمهما الله - زيارة المسجد الأقصى، وصلينا تحت القبة، ودخلنا كنيسة القيامة، ودرنا فيها، ثم صلينا فريضة السنة في مسجد عمر بن الخطاب، الذي يقع مقابل كنيسة القيامة، ثم زرنا القنصلية السعودية (ومررنا) برام الله وعدنا لعمان.
) يوم جاء الملك سعود من السفر في شهر الحج يوم أعاد فيصل لرئاسة الوزراء، وكنت أنا بالحجاز أبغي أحج بالوالدة، وقلت أسلم على الملك سعود وأرجع بيومي، ورحت إلى قصر الناصرية في البخشة (اللي على اليمين)، ودخلت عليه، وكان من سلم عليه من العائلة يغادرون مجلسه، وما كان فيه إلا أنا وفهد بن سعود ومحمد بن تركي وعبدالله بن سعدون، وسلمت عليه، وجلست، وجاء الحلاق والتفت الملك سعود إلى محمد بن تركي وقال له (اللي جنبك «تو» في المجلس ما انتبهت له، من هو؟)، رد عليه محمد بن تركي وقال (هذا الأمير سعد بن محمد بن سعود بن عبدالرحمن)، رد عليه الملك سعود وقال: (ما دريتوا عنه إن له مدة ما يجينا)، فأنا طلعت مني كلمة عفوية وقلت (يا طويل العمر، حنّا عيالكم نزعل أو نرضى ما لنا إلا الله ثم أنتم، وأنتم مرجعنا بعد الله، لكن المهم أنتم يا «أبوانا»، الله يولف ما بينكم ويبعد عنكم المشاكل)، ورد علي فهد بن سعود وقال: (صدقت يا أخوي، الله يوفق أبوانا أما حنّا نزعل ولا نرضى ما لنا إلا هم)، وقمت أسلم عليه وقلت (أنا بسافر أحج بالوالدة) قال لي (مع السلامة وسلم لنا على الوالدة).
) وسمعت كلمة للملك سعود - رحمه الله - في مجلسه عندما أسس جامعة الملك سعود، وقال: (إن الله أحياني بحط جامعة في كل منطقة وبخلي الرياض بلورة يضرب بها المثل في كل نواحي الحياة)، وها هي تتحقق على يد والدنا الملك عبدالله - أمد الله في عمره.
) وأذكر موقفاً - وكعادتي - في زيارة الوالد الملك سعود، وكان متوجهاً من قصور عائلته بالرويس في جدة لقصر خزام، وكان معه الملك فيصل، وكنا راكبين في السيارة وأنا ثالثهم ورابعنا الكاتب محمد بن دغيثر، وسمعت الملك سعود يقول للملك فيصل (شفت البرقية اللي جاءت من الحكومة البريطانية)، فرد الملك فيصل وقال (نعم أنا جيت أبي منك موافقة جوابها) فقال له الملك سعود (هذا ابن دغيثر أملي عليه الجواب) وقال الملك فيصل لابن دغيثر اكتب (من الحكومة السعودية إلى الحكومة البريطانية، نيستوا الاتفاقية التي بين الملك عبدالعزيز ورئيسكم تشرشل، وعندما توفي الملك عبدالعزيز غيرتم رأيكم ونسيتم اللقب الذي لقب رئيسكم به الملك عبدالعزيز أنه أسد الليالي السود).
) وحضرت كلمة للملك فيصل - رحمه الله - في مكتبه، وكنت جالساً عنده، وما كان عنده إلا كاتبه رئيس الديوان صالح العباد، ورفع معاملة للملك فيصل، وعندما قرأها قال له: (يا صالح إن الله أحياني ما أخلي أحد من مواطني هذه البلاد يعتاز لأحد)، وكانت هذه في آخر سنة له قبل وفاته في الطائف بالمصيف.
) في افتتاح اجتماع الأمم المتحدة كان الوفد السعودي مكوناً من الملك فيصل والوالد الأمير محمد بن عبدالعزيز والملك فهد والأمير عبدالله الفيصل والأمير نواف بن عبدالعزيز - رحمهم الله - وحسب كلام سيدي الوالد أن المندوب البريطاني كان حاضراً في المؤتمر، وقال للملك فيصل (إن حكومتي تقول لكم يجب عليكم تسليمنا رشيد عالي الكيلاني)، فرد عليه الملك فيصل وقال (لا تكلفون على أنفسكم، مستحيل أن يسلمكم الملك عبدالعزيز من [زبن] عليه)، هؤلاء نحن أربعة من أبنائه وولدي خذونا بدلاً منه)، وبعد هذه المرة لم يبحثوا في الأمر.
) وفي مؤتمر الأمم المتحدة بأمريكا يقول سيدي الوالد إن الملك فيصل قبل أن يقوم ليلقي كلمته قال للوالد (والله يا محمد إني مدري وش بقول)، ويوم جاء دوره بيلقي الكلمة وقام ألقى كلمة عظيمة، وبعدما جاء وجلس عندنا قلت له (الحين أنت تمزح علينا وهذه كلمتك)، فرد علي وقال (والله يا محمد يوم أقوم من عندك مدري وش بقول).
) حضرت جلسة للملك فيصل في الطائف، وقدم له كاتبه معاملة، ويوم أخذها بيده عرفها وقال له (أنا ما قلت لكم هذي المعاملة تقعد بجدة إلين أرجع أشوفها)، قال له صالح (يمكن جابوها بالغلط مع المعاملات)، قال: (الله أكبر.. لو هي لواحد مسكين ما لحقتني للطائف، لكن رجعوها جدة، وإذا رجعنا جدة نشوفها).
) حضرت جلسة للملك فيصل بالرياض، وكان عنده كاتبه صالح، وجاب له معاملات، وبعدما خلصها قال له (الحين ما عندكم إلا هذي المعاملات؟)، قال له صالح (إلا فيه معاملات لبكرة)، فرد عليه الملك فيصل (تبيني آخذ دفتر التقويم بس وأفتشه رح جب كل المعاملات اللي عندك وباكر له معاملاته)، وجابها صالح له، وخلصها الله يغفر له ويرحمه.
) وحضرت له في إحدى جلساته في جدة وجاءته برقية وقرأها، وقال لصالح اكتب ردها (سبحان الله.. وش جاب الجبل الفلاني عند الجبل الفلاني وبينهم وديان، إن كان الملك ملك الروح فلا يتعدون على ما حددناه لهم، وإن كان الملك ملكهم يأخذون اللي يبون).
) حضرت جلسة للملك فيصل في جدة، وكان عنده مجموعة من المسؤولين، وكان من الحاضرين الأمير بدر بن محمد بن عبدالرحمن والأمير عبدالله الفيصل، وبعدما قام عبدالله الفيصل بيروح قال له الملك فيصل (وقف يا عبدالله وأنا أخوك أبعلمك وبسألك «ليه ما تجي العمل إلاّ بعد أسبوع أو بعد أيام وتقول أنا مريض وتعبان اسمع وأنا أخوك إن كانك مال من العمل أو مريض استقل وبدالك غيرك وفيه ناس بيسدون العمل وما مضى شهر إلا وأعفاه من العمل.
- سمعت عن أحد الموالي اللي كان يقص على الوالد الأمير محمد وعمي خالد وهم صغار وفي إحدى الليالي كان يقص عليهم قصة ويقول (كان هناك سلقه «كلب صيد» وكانت حامل واطلقوها على غزلان ويوم راحت تطرد وراهم ولدت وكل واحد من عيالها لحق له غزال واطرحه) قال له عمي خالد (وشلون توها تولد وكل واحد طارح له غزال وهم ما يشوفون) ورد عليه (على الدبك «يعني وراء أمهم ما يشوفون وعلى الدبك»). وكان الملك عبد العزيز يسمعهم وقال «يا كذب المولى كذباه» فقال المولى (يا طويل العمر وش أسوي لعيالك كل ليلة يبون قصة وخلصت قصصي وما لي إلا الكذب).
- وأذكر قصة لسيدي الوالد الأمير محمد عندما كان طفلاً وكان يلعب مع بعض الأطفال وكان الملك عبد العزيز يراقبهم من بعيد، وقام أحد الأطفال ورمى الأمير محمد في جبهته فنادى الملك عبد العزيز الأمير محمد وسأله (وش هذا اللي بجبهتك) فرد عليه الوالد (طحت وانفلق راسي) وقال الملك عبد العزيز (ما دام إنك راضي بكيفكم).
- أذكر في إحدى المرات أن أخي بندر بن محمد يوم كان صغيراً في السن وعمره ست سنوات راح للملك عبد العزيز يطلب منه فرساً وأراد الملك عبد العزيز أن يلاطفه وقال له (ما عندنا شيء ومنّا بمعطينك فرس)، فرد عليه بندر وقال (بتعطيني فرس ولا شخيت على سجادتك) فقال له الملك عبد العزيز (لا.. أبد أبد الله يكفينا شرك بنعطيك فرس ولا تشخ على سجادتنا).
- في إحدى المرات راح الوالد للملك سعود وأخذه من قصره بالحوية في الطايف إلى قصر الملك فيصل في قروه، وقال له عمي فيصل «يا محمد كن جيت وأخذتني ووديتني لسعود والحق لسعود» ورد عليه الوالد «والله تعبت فيكم هذا أخوك وتفاهم معه».
- سمعت من عمي متعب يقول (أنا شفت في الملك عبد العزيز خصلة ما شفتها إلا في الأمير محمد بن عبد العزيز وهي إن أعطى أحد فرح وأنه إذا سمع أحد أعطى فرح وهذه خصلة في عبد العزيز ما شفتها إلا في محمد).
- أول (سفرة) للوالد الأمير محمد مع ولي العهد عمي سعود وكانوا متجهين إلى لندن من جدة في باخرة إنجليزية، وكان في الباخرة جنود إنجليزيين وقالوا الجنود لعمي سعود (بنتباري حنّا وإياكم على الرمي وقال لهم عمي سعود هذا أخوي محمد عني، وتباروا وكانوا يرمون صحون وكان الوالد يصيدها وأخذ الجائزة عليهم وآخر شيء رموا القفش حق الفشق الفاضي كان الوالد يرمي عليها ويصيده ويقطعه وتفوق على الضباط الإنجليز.
- أذكر زيارة الملك فهد لسيدي الوالد الأمير محمد - رحمهم الله جميعاً - في البر وسأله الوالد عن اجتماع اللبنانيين في الطائف فقال له الملك فهد لو التزموا بالاتفاقية فذلك من صالحهم فقال له سيدي الوالد ما تذكر كلام أبوك لرئيس لبنان كميل شمعون عند زيارته للملك عبد العزيز، وقال له «أنتم اللبنانيين في بيت واحد وهو لبنان وليس بينكم فرق لأن بلدكم بلد مصيف وسياحة ويقصده الناس من كل أرجاء العالم وإن وفقكم الله واتفقتكم فهو من صالحكم وإن اختلفتم وقع البيت عليكم وهذه نصيحتي لكم».
- في إحدى زيارات الملك سعود للشمال وخلال مروره على القصيم وكنت أقنص حول القصيم فدخلت للسلام عليه وعندما دخلت الصالون وكان مليئاً بالحضور، وبعد ما سلمت عليه أردت الانصراف لأنه لم يكن هناك مكان لأجلس فيه قام الأمير عبد الله بن عبد العزيز (الملك) وقال لي تعال يا فهد واجلس مكاني فقلت له «اجلس طال عمرك أنا بطلع» قال لي «لا تعال اجلس أنت أنا عندي شغل وبمشي» وجلست محله، وهذا شيء لا أنساه مدى الحياة لسيدي العم والوالد الملك عبد الله.
- حضرت جلسة عند الملك خالد - رحمه الله - وحضر عنده الملك فهد والملك عبد الله في وقت مشكلة جهيمان، وعقب ما قام عمي خالد بيظهر للمكتب، مر علينا وحنا واقفين وقال لعمي فهد وعمي عبد الله (أنا قايل لكم عندما سجن الرجال للمرة الثانية قلت لكم قصوه وما طعتوني وهذا ما تشوفون وش سوى).
- أذكر عندما حدثت التفجيرات في الرياض في عهد الملك فيصل من قِبل بعض اليمنيين وقبضوا على سبعة عشر يمنياً وشاور الملك فيصل مستشاريه وقال لهم (وش رأيكم نقصهم الآن ولا بعد الحج؟) وردوا عليه (لا خلهم بعد الحج؟) ثم استلحق الملك فيصل سيدي الوالد وقال له (أنا استشرت المستشارين من جهة القصاص وأنهم أشاروا عليّ بأن نؤجلهم إلى ما بعد الحج، وش رأيك أنت؟) ورد عليه الوالد وقال (إن كان تبي تصير تفجيرات في منى ومزدلفة وعرفات اتركوهم) إلى بعد الحج، وإن كان تبي تطفي الفتنة قصوهم الآن)، ورد عليه عمي فيصل وقال (هذا رأيي بس قلت بشوف رأيك يوافق رأيي ولا رأيهم)، وفعلاً تم تنفيذ حكم القصاص قبل الحج وانتهت الفتنة.
- وفي مناسبة سمعت عمي الملك فهد يقول إن الملك خالد عندما اجتمع بالرئيس الليبي معمر القذافي قال القذافي للملك خالد (يا خالد يعني وش الفرق بيننا وبين أبو بكر وعمر إحنا مثلهم)، فرد عليه الملك خالد وقال (تخسى وتعقب رضي الله عنهم والفرق بينا وبينهم مثل الفرق بين السماء والأرض).
- بعد وفاة الملك فيصل تم نقله إلى مستشفى الشميسي واجتمع كل أعمامي بالمستشفى وجاهم الوالد وقال لهم («أنتم وش تسوون قاعدين تبكون، فيصل مات قوموا لأشغالكم واحتروني في الديوان الملكي وراح لهم وقال قوموا بايعوا خالد ملك وفهد ولي عهد وكلٍ يروح لشغله».
- وبعد هذا الموقف من سيدي الولد سأله صحفي لبناني وقال له «أنا استعجبت أنكم على طول طلعتم بيان بأن خالد هو الملك وفهد ولياً للعهد «ورد عليه الوالد» لا تستعجب، استعجب لو تأخرنا لأن هذا هو طبعنا».
وهناك أيضاً بعض المواقف الخاصة التي حضرتها للملك عبد العزيز ومنها:
- أذكر موقفاً وكنا نلعب في السطح في قصر المربع وكنا نطل على اللي في الخارج وحان وقت صلاة المغرب وحنا نلعب ويوم صلى الملك عبد العزيز أمر الخويا إنهم يحطونا في (لوري) شاحنة ويودوننا للحبس في قصر المصمك، وبعد ما ركبنا اللوري طلبنا من السواق أنه يمر بنا على عمي سعود ولي العهد ودخلنا عليه في بيته في الديرة عند قصر الحكم، ويوم دخلنا عليه ضحك وحكينا له القصة وإن الملك عبد العزيز أمر بحبسنا في المصمك واتصل عمي سعود بالملك عبد العزيز وكلمه عنا ورد عليه الملك عبد العزيز (أجل الكلاب جوك) قال عمي سعود (أبيك تعفي عنهم هالمرة) قال له (لأجلك عفينا عنهم هالمرة).
- وأذكر موقفاً مع بعض عماني منهم متعب وبدر وتركي وعبد المحسن، وكنا نسبح في بركة في بستان سيدي الوالد في عليشة وكان الوالد باني فيها دكة وزينها، وأعجبت الملك عبد العزيز وقال للوالد (ترى هذه بناخذها ونجلس فيها كل يوم) ورد عليه الوالد (أنا وهي ملكك) وكان الملك عبد العزيز يجلس فيها بعد العصر ويصلي المغرب ويدخل بعد الصلاة لقصر المربع وكان يتعشى في قصر المربع وفي ذلك اليوم كنا نسبح في البركة ودخل وقت صلاة المغرب وما صلينا وكانت أصواتنا عالية ومسموعة، وبعد ما خلص الملك عبد العزيز صلاة المغرب قال للخويان من في البركة وعدّونا للملك عبد العزيز، وقال لهم احضروهم إلى قصر المربع وكان المرافقين يحذروني إني ما أروح معهم لأن الملك عبد العزيز بيضربهم وما أخذوني وكنت أنا متأخر عنهم شوي وفي الأخير قررت إني أروح معهم وفعلاً ضربهم الملك عبد العزيز ومنعهم من العشاء، وأنا دخلت بعد ما قام الملك عبد العزيز والخويا وتعشيت وما كان فيه إلا طريق واحد للخروج وكان مقابل جلسة الملك عبد العزيز ويشوف كل من يمر وأنا ظاهر من السفرة شافني الملك عبد العزيز وقال (من ذا؟) وقلت له (طال عمرك أنا) قال (فهيدان فكك الله) ورديت عليه (عسى ما يربينا إلا الله ثم أنت) قال لي (إسر... إسر بس رح بيتكم فكك الله).
- أذكر في مرة زعل عليّ الملك عبد العزيز وكان ذلك في وقت الحج وكان في تلك السنين قد أمر بمنع السيارات الخاصة بحمل الحجاج إلا لشركة واحدة خاصة وجاني صاحب لوري كان وكيل بيت سيدي الوالد بمكة، وقال لي أبي ورقة للمرور عدم تعرض لأني (بركب) حجاج معي وفعلاً عطيته ورقة للمرور وأنا ما أدري إنه ممنوع، وعندما قبض عليه المرور أعطاهم الورقة ورفعوها للملك عبد العزيز وعندما ذهبت للملك عبد العزيز بعد الحج للسلام عليه في قصر السقاف ويوم أقبلت عليهم كانوا (قالطين) على العشاء ودخلت أنا وأخوي بندر وكان يمشي خلفي ويوم شافني الملك عبد العزيز أخذ العصا وقال عود.. عود) وانحاش أخوي بندر لأخويانا وقال لهم أبو الشيوخ طرد أخوي، وبعد ما رجعت علمت الوالد بالقصة وما صار ويوم راح الوالد للملك عبد العزيز علمه بالقصة وتوجه لي عنده ويوم راجع قال لي رح سلم على الملك عبد العزيز وفعلاً رحت أسلم عليه قال لي (بعد.. تعرف تعطي ورق) قلت له (والله هو قال لي وأنا ما أدري إنه ممنوع) قال (لعاد تعودها).
- وأذكر موقفاً حدث في المويه وكان فيه قصر بانيه الملك عبد العزيز يرتاح فيه وكان فيه غرف لعيال عبد العزيز وكل أبناء الأم الواحدة لهم غرفة مخصصة ومحددة، وجيت أنا وأخوي بندر وما كان لنا علم ونحسب من دخل غرفة أولاً نزل بها والحمد لله إننا نزلنا في غرفة آل سعد لأن أمهم والدة أمي، وعقب ما وصلوا آل سعد (مساعد وعبد المحسن) - رحمهما الله - قالوا لهم إن عيال محمد في غرفتكم وقالوا ما دام إن اللي بغرفتنا عيال محمد ما يخالف وحطوا لهم خيام ونزلوا فيها ليلة واحدة والعادة إن الملك عبد العزيز إذا مشى من المويه أمرح في شعيب دون عفيف وحنا جينا معه من مكة وبمعيته وعندما جاء وقت العشاء ويوم أقبلنا عليه في الخيمة الكبيرة قال (عودوا.. عودوا) وحنا ما ندري وش القضية ويوم عوّدنا الرياض علمت الوالد بالقصة ويوم راح الوالد للملك عبد العزيز علّمه بالقصة وقال له (سامحهم طال عمرك.. ما يدرون وما حد علّمهم) ويوم رجع الوالد قال رح سلم على الملك عبد العزيز ويوم سلمت عليه قال لي (ألحين ما تدري إن هذي غرفة عمانك وخوالك) قلت له (ما علمني أحد طال عمرك) قال (لعاد تعودها).
- وأذكر أن والدتي الأميرة سارة بنت سعد بن عبد الرحمن ووالدها شقيق الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ما كانت تزور الملك عبد العزيز إلا في الشهر مرة أو مرتين وقال لها الملك عبد العزيز (ألحين أنتي بنتي ولا أشوفك إلا في الشهر مرة أو مرتين وأنا أبي أشوفك كل يوم أو على الأقل في الأسبوع مرة)، وردت عليه (أنا محكومة) وقال لها (وش تقولين.. من حاكمك عني وأنتي بنتي) قالت (حاكمني محمد) وقال الملك عبد العزيز (خلاص أجل ما نقول شيء.. متى ما جيتي تعالي)، ما رويتها إلا لترى كيف كان تقدير النساء لأزواجهن وكذلك تقدير الملك عبد العزيز.