كثيرون حاولوا تعريف الوطن، فمنهم من اعتبره وثيقة تُسمى الجنسية تحوي حقوقاً وواجبات، ومنهم من اعتبره مسقط الرأس وغير ذلك.. بغض النظر عن التعريفات النظرية، الوطن لا يغادرك.. حينما تسافر للدراسة - للعمل - للهجرة تغادر المكان لكن الوطن يبقى داخلك.. نكتب ونحتفي بالوطن رغم أننا خارج حدوده على الخارطة الورقية، لأنه دوماً يسكننا لا يبرح دواخلنا.
قبل كتابة مقالي هذا حاورت مجموعة من المغتربين عن معنى الوطن.. سألت الفلسطيني المقيم في الدولة الغربية، بعد ثلاثين عاماً من إقامتك في هذه البلاد وحصولك على جنسيتها.. هل بقي حنين للوطن؟.. غضب من السؤال وأجاب: ولو أقمت هنا ألف عام تبقى فلسطين القلب.. ولكن فلسطين لن تقدم لك سوى الوجع، وهنا أنت تنعم بالصحة والتعليم والمنزل وغيرها من أمور الرفاهية.. أجاب: كل ذلك لا يعني التنازل عن الوطن لأنه لا يغادرنا حتى لو غادرناه جسدياً.. نفس السؤال كررته على الزملاء من مختلف الجنسيات العربية وغير العربية، فكانت الإجابة تأتي متشابهة المعنى.. الوطن لا يوصف، إنه داخلنا.. إنه يسكن معنا في حلنا وترحالنا.
الوطن هو الأمل.. ربما كانت هذه الإجابة الثانية التي أجدها عندما أحاول طرح أسئلة أكثر استفزازاً.. الصحة ليست جيدة، المياه ليست جيدة، التعليم ليس جيداً، الحياة السياسية ليست جيدة، الوظائف غير متوفرة، الاقتصاد متواضع..كل هذه التفاصيل عندما أطرحها للمغتربين عن أوطانهم بأجسادهم تأتي إجابتهم بأن الأمل موجود.. ستتحسن الأمور - إن شاء الله - في الحاضر والمستقبل.. بلادنا تعمل في سبيل تحسين ذلك.. نحتاج بعض الوقت وستكون الأمور أفضل.. الكل يُضمِّن كلامه جملاً تعني الأمل ولا يتنازل عن حب وطنه لأنه الأمل.. انظر الأمور تتغير في دولنا، كما يقول الزميل التونسي.. لم نفقد أملنا وما زلنا نأمل ونحلم بالأفضل.
الوطن ليس الحكومة.. الحكومة جزء من الوطن.. الحكومة تخدم الوطن، قد تقصر أو يقصر بعض أفرادها في أداء مسؤولياتهم كما يجب، لكن ذلك لا يعني اتهام الوطن أو كره الوطن.. المسؤول يأتي ويذهب لكن الوطن دائم. هكذا ذكَّرني زميلي المغترب الليبي.. انظر ذهب الطاغية، لكن ليبيا لم تذهب.. بقيت لنا ليبيا وستبقى أبد الدهر.
سألت السعوديين عن وطنهم.. فلم أجد إجابات مختلفة في جوهرها.. كانوا أكثر تباهياً وغروراً بوطنهم.. ذهبوا للدراسة أو العمل المؤقت، لكنهم حملوا الوطن معهم وحملهم الوطن.. لم يتخل عنهم الوطن ولم يفكروا في سواه.. لم يبحثوا عن جنسية وطن سافروا إليه.. وطنهم متحد، قوي، يتمتع بالأمن والاستقرار فلا حاجة لهم بغيره.. لم ينكر كثيرٌ منهم وجود ملاحظات تتعلق بالخدمات وقصور بعض مناحي الأداء الحكومي، لكنه قصور في الحكومة أو بعض مسؤوليها وليس قصور الوطن.. غيرهم حصل على جنسية أخرى وظل ينتظر حدوث التغيير في وطنه.. أما أبناء وطني السعودية فهم ينتظرون بشوق إنهاء بعثاتهم ليعودوا للمساهمة في بناء مستقبل وطنهم.. وطنهم الذي لم يطردهم ويسجنهم ويدفعهم للهجرة واللجوء للدول الأخرى.
الوطن داخلنا حتى وإن غادرناه.. الوطن هو الأمل.. الوطن يسمو ولا نتنازل عنه بسبب أخطاء أو قصور أفراد.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm