سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فتعد ظاهرة اللباس غير المحتشم عند النساء دخيلة على المجتمع السعودي الأصيل، ولطالما فخرت -في الماضي- أمام طالبات الجامعة بالاحتشام المتوافر لديهن، لكن هذه الظاهرة طغت واستفحلت حتى باتت تشكل التيار السائد في المجتمع، وباتت المحتشمة تنسحب من المجتمع وتبتعد عن المشاركة في فعالياته استبراء لدينها وخشية أن تقع عينها على ما حرّم الله تبارك وتعالى.
وقد طرح في العدد (14953) الصادر يوم الجمعة 30-10-1434هـ مقال بعنوان: (دور التجار في المحافظة على الاهتمام) للأستاذ سلمان بن محمد العمري تناول فيه تشجيع وثناء على مبادرة أحد التجار الأفاضل في الحد من انتشار الملابس المبتذلة في الأسواق، وذلك بمنع بيعها أو الدفع باتجاه المنع، وهي مبادرة يشكر عليها، ونسأل الله أن يكتبها له في الصالحات.
لكن الحقيقة أن هذا العلاج يتناول ظاهراً من السلوك ويدفع باتجاه استمراره وزيادة التعلق به، إذ كل ممنوع مرغوب، والرغبة الممنوعة تجعل الدافع يترسخ في النفس أكثر، لا سيما مع تجاذبات الفتاوى في الحلِّ والحرمة.
إن علاج الظواهر الاجتماعية يتطلب قدراً كبيراً من الوعي بأسبابها، وابتكار الطرق المناسبة للعلاج ربطاً بتلك الأسباب، فالظواهر سلوك جماعي، والسلوك الجماعي تكرار للسلوك الفردي، والسلوك الفردي انعكاس لما في العقل من قناعات واعتقادات، وانعكاس لما في النفس من رغبات وأهواء، وإذا كان سلوك (عدم الاحتشام) قد شاع بين النساء فإنما سببه قناعات فاسدة ورغبات منحرفة والحل يبدأ من هنا.
فطالب بمعالجة مثل هذه الظاهرة ينبغي أن ينظر في مبدئها ومنشئها، فما لم يعالج السبب سيظل الداء.. بل ويستفحل!.
وفي يقيني أن أهم سببين في الظاهرة:
1 - غياب القيم الإسلامية عن الخارطة المجتمعية، وشيوع سلوك التقليد والمحاكاة اللذين يسهمان بشكل كبير في صناعة (الظواهر السلوكية) ويشكلان قوة مجتمعية ضاغطة باتجاه تقمص السلوك الشائع وعدم الانعتاق منه.
2 - غياب سلم الأولويات المقاصدية عن ثقافة المجتمع، والنساء جزء منه، فلم يعد الدين صاحب الأولوية المطلقة المقدمة على النفس والعقل والنسل والمال، بل غالبته أولويات تافهة أفرزتها الحضارة الغربية كالمظهر والمال ووجدت نماذج للتقليد مستولدة من هذه التفاهات، فشاع تقليد الممثلات والمغنيات ونحوهن من أصحاب السلوك الهابط.
وهناك أسباب أخرى لهذا السلوك لا يتسع المقام لاستيعابها.
وطبقاً للسببين السابقين فإن الاهتمام الأكبر يجب صرفه في بناء القيم لدى المجتمع والنساء بالأخص والعمل على تمكين الأولويات المقاصدية في حياتهن، وسنجد بعد ذلك أن الاحتشام تولّد تلقائياً لديهن أو لدى معظمهن وبالله التوفيق.
د. ميادة محمد الحسن - أستاذ مساعد بكلية الآداب بجامعة الملك فيصل