لقد كتبت سابقاً وكتب غيري عن بعض أهم المقومات التي تؤدي إلى دعم السياحة الداخلية. من المعروف أن أجواء المملكة كافة في المدن والقرى متقلبة وشديدة الحرارة صيفاً وقارسة البرودة شتاءً، زيادة على ذلك هبوب الرياح في كل المواسم محملة بالغبار الذي يحجب الرؤية في معظم المناطق، خاصة المنطقة الوسطى والشرقية، ما عدا أجواء المصايف مثل أبها وخميس مشيط والطائف. وللهيئة العامة للسياحة دور فاعل بجهود رئيسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، ذلك الرجل الذي منذ أن تبوأ عمله في ذلك القطاع وهو يبذل جهوداً جبارة بشأن الرقي بمقومات السياحة كافة مستعيناً بفريق عمل سعودي مؤهل.
ووزارة البلديات ممثلة بجميع الأمانات والبلديات هي الساعد الأيمن لهيئة السياحة؛ لأنها تعمل على توفير كل المقومات الأساسية المساندة لإعمار المدن والبيئة معاً، وتوفير المسطحات الخضراء وإنشاء المنتزهات وزراعة الشوارع والميادين لتوفير البيئة الصحية الملائمة لتلطيف الأجواء داخل المدن وتحسين مظهر نواحي المدن والرقي بالذوق العام وزراعة مصدات الرياح.
وفي السنوات الخمس الماضية شرعت الأمانات والبلديات في مشاريع بناء أرصفة الشوارع؛ لتسمى المواقع التي تغطَّى بتلك المشاريع المناطق المطورة، لكن (القشة قصمت ظهر البعير)؛ لأنه حسب نظرتي ونظرة العامة كان الاستشاري الذي درس مشاريع الأرصفة كريماً أكثر من اللازم؛ إذ إنه أوصى بأن تكون أكتاف الشوارع أو الأرصفة تشغل مساحات كبيرة على جانبي الطرق. وبالرغم من إيجابيات تلك المشاريع التي منها توفير الممرات المطلوبة للمشاة، وتنظيم وقوف المركبات، وتوزيع المزروعات والإنارة بأساليب جيدة، إلا أن الحاجة لا تستدعي وجود مثل تلك الأرصفة لاستهلاكها لمسارات الطرق التي تسلكها آلاف المركبات على مدار الساعة.
المثل يقول (إذا وقعت يا فصيح لا تصيح). مما لاشك فيه أنه يصعب إعادة النظر في إزالة بعض من تلك الأرصفة، فلماذا لا يستفاد منها في تشجيع السياحة الداخلية وتغذية الإيرادات المالية للأمانات والبلديات، وذلك بتحديد مساحات كافية أمام كل المطاعم والبوفيهات والمقاهي، وتأجيرها على أصحاب تلك المحال بأسعار مشجعة، يمكن تحصيلها مع رسوم اللوحات سنوياً، وتكون تلك المساحات التي ستؤجر قابلة للتطوير من قِبل أصحاب المحال؛ لكي يتم تحديد كل مساحة بأحواض الأشجار والورود، مع تركيب أجهزة الرذاذ المائي، وتُعطَى لهم إمكانية تركيب شاشات تلفزيونية، وتحسين مظهر الأرضيات للاستفادة من تلك المواقع بأن تكون مميزة لجلوس الزبائن في الجو الطلق، مع ترك مساحة لمرور المشاة، ويستعان بالإدارة العامة للمرور بأن تصدر تعليماتها لأقسام المرور بمنع تجول الدراجات النارية التي يستخدمها أصحاب البقالات للتوصيل إلى المنازل، ويستخدمها بعض الحرفيين مثل الكهربائيين والسباكين الذين جعلوا من أرصفة المواقع المطورة طرقاً سالكة لهم مهددين العوائل والأفراد بالدهس. علماً بأن تلك الدراجات تتجول بدون لوحات ومجهولة الهوية، ويصدر عنها أدخنة كثيفة، تؤدي إلى تلويث الأجواء، ويُستخدم بعضها للسرقة.
ومن خلال هذه المقالة سأسلط الضوء على بعض واجبات الأمانات والبلديات التي لم تكتمل بعد؛ لأنه يندر أن يجد المسافر مطعماً أو بوفيهاً على الطرق السريعة لأخذ قليل من الراحة فيه، وتناول إحدى الوجبات؛ لأن معظم المطاعم سالفة الذكر بها نقص شديد في الشروط الصحية، ومعظم العمال العاملين فيها لا يوجد معهم شهادات صحية تثبت خلوهم من الأمراض السارية، أما دورات المياه الموجودة في محطات الوقود، سواء داخل المدن أو على الطرق السريعة، فتشكل وصمة عار على مسؤولي البلديات؛ لأن معظمها مقزز للنفس، وتفوح منها روائح كريهة بسبب عدم تنظيفها وصيانتها.
أما فيما يخص النظافة العامة في مواقع الراحة على الطرق فتكاد تكون معدومة؛ لأن العاملين في محطات الوقود ذوو مستويات علمية متدنية، ولا يفكرون في شيء اسمه النظافة. علماً بأنه بالإمكان التخلص من تلك النفايات عن طريق دفنها في الأراضي الفضاء خلف كل محطة.
وأفضل علاج لتلك السلبيات، ولأهمية الرقي بمواقع الخدمات على الطرق من دور إيواء ومطاعم واستراحات وغير ذلك، هو إنشاء إدارات أو وحدات إدارية تسمى (وحدات الإشراف الميداني على مواقع الخدمات على الطرق السريعة)، وتدعم تلك الإدارات بالمهندسين والمراقبين الصحيين، ويعطَى لهم الصلاحيات كافة من رؤساء البلديات لإيقاع الغرامات وإغلاق المحال المخالفة، ومطالبة أصحاب المحال بتحسين مظهرها فيما يخص الألوان الخارجية والديكورات الداخلية، مع تشديد الرقابة على محال طهي الأطعمة المعروضة للبيع، والاستمرار في مراقبة دور الإيواء لمعرفة مستوى خدماتها ونظافة مفروشاتها.
وختاماً، يجب أن تتخذ الجهات المسؤولة إجراءات صارمة فيما يخص تحديد أسعار دور الإيواء في المصايف والمدن الساحلية؛ لأنها في موسم الصيف تصل إلى أرقام خيالية، وتعتبر حجر عثرة في طريق تنمية السياحة الداخلية، كما أن أسعار المأكولات والمشروبات في المطاعم والمقاهي في جميع مدن المملكة تحتاج إلى دراسة، يتم بموجبها إقرار السعر حسب مستوى المحل.
إن تحقيق ما سبق ذكره يعتبر أفضل أسلوب للحد من سفر المواطنين والمقيمين في المواسم، ويؤدي إلى تحقيق أهداف الدولة في تنويع مصادر الدخل، وعدم الاستمرار في الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً للدخل.
إبراهيم بن محمد السياري - الرياض