لا يتوقف عجبي من أولئك الذين يتناسون أن الولايات المتحدة دولة مؤسساتية، والرئيس هو جزء من معادلة السلطة، ولذا فوصف الرئيس الأمريكي - أي رئيس - بالضعف، أو القوة، ليس دقيقا، مع الاعتراف بأن هناك رؤساء أمريكيين صنعوا فارقا كبيرا، وذلك نتيجة لاتخاذهم قرارات مصيرية، تحتاج لشجاعة غير عادية، مثل ما فعل الرئيس ابراهام لينكولن، في قضية تحرير السود، وفرانكلين روزفلت، في دخوله الحرب العالمية الثانية، وريتشارد نيكسون، في زيارته للصين، وتوسيعه للعلاقة مع الخصم اللدود، ولكن هل يصح وصف الرئيس اوباما بالضعف، نتيجة لموقفه من القضية السورية؟!.
كان واضحا منذ البداية أن ما سمي بالثورة السورية تختلف جذريا عن بقية الثورات العربية، وكتبت، وكتب غيري منذ بداياتها، أن تلكؤ الغرب في التدخل، على عكس مواقفه من ثورات مصر، وليبيا، وتونس كان يوحي بأنه لا يراد لهذه الثورة أن تنجح، كما كان واضحا أنه كان يراد تدمير سوريا كبلد عربي هام، وذلك ليكون بلدا ممزقا، وضعيفا تحكمه الصراعات الطائفية، على غرار العراق، وأثبتت الأيام أن هذه الرؤية كانت دقيقة، فمع مرور الوقت تحولت الثورة الوطنية إلى صراع طائفي مقيت، شعاره الموت المجاني للآخر المختلف، حتى ولو كان شيخا، أو طفلا، ثم تطور الأمر بدخول التنظيمات المتشددة إلى سوريا، حتى أصبحنا لا ندري هل هم يقاتلون النظام الفاشي هناك، أو يقاتلون بعضهم البعض، ثم تطور الأمر باستخدام النظام للسلاح الكيماوي ضد شعبه، وحينها حانت ساعة الصفر التي حددها الرئيس أوباما، أو هكذا اعتقدنا!.
بدا قبل أسابيع قليلة كما لو أن ساعة الحرب قد حانت، وجهز الجميع أنفسهم لذلك، وذلك بعد التصريحات التي أطلقتها رموز الإدارة الأمريكية، وقادة قواتها العسكرية، وكان مريبا للمتابع أن يكون موقف روسيا، وإيران لينا، حتى خلنا أنهما قد يشاركان بالضربة العسكرية ضد سوريا!!، إذ ليس من المعقول أن تقف هاتان الدولتان مع النظام السوري، وتدعمانه بالمال، والسلاح لأكثر من عامين، ثم فجأة يتخليان عنه، ويتركانه لقمة سائغة للنسر الأمريكي ليفترسه بسهوله، ولم يخب ظن قلة من المتابعين، والذين شككوا في نوايا إدارة اوباما منذ البداية، فقد فتر الحماس، وقرر اوباما تحويل الأمر إلى الكونجرس، ثم ذهب إلى روسيا لحضور مؤتمر قمة العشرين، ويبدو أن شيئا ما تم طبخه هناك، بعيدا عن الضجيج!.
فبعد أن صعق وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الجميع بإعلانه عن إمكانية حل القضية سلميا!، وذلك في الوقت الذي كان الجميع ينتظر انطلاق صاروخ كروز الأول، أطلق الروس مبادرتهم، والتي تلقفها الجانب السوري، ووافق عليها اوباما ذاته!، ثم أشارت التسريبات لاحقا إلى أن كل هذا السيناريو المفاجئ قد تم بحثه، والاتفاق عليه في أقبية بطرسبورج، بين اوباما، وبوتين !، وعليه فإن الثورة السورية، والتي استمرت أكثر من عامين، ومات فيها، وأصيب مئات الآلاف، وهجر خلالها الملايين، جاءت نتائجها لصالح طرف ما، لا يرغب في امتلاك سوريا لسلاح محرم دوليا من أي نوع، وهكذا ثار السوريون، فقطف غيرهم كرزة النصر، مع تمنياتنا بأن لا يكون الأمر كذلك!
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2