في كثير من المجتمعات تجد هناك العديد من الخدمات يتم تقديمها من قبل جهتين إحداهما القطاع العام (الحكومي) والأخرى القطاع الخاص. وعادة ما تبدأ هذه الخدمات من خلال القطاع الحكومي ثم يتبعه القطاع الخاص،
فهناك المستشفيات الحكومية والتي تقدم الخدمة فيها مجاناً ثم تبعتها المستشفيات الخاصة والتي يتم تقديم الخدمة فيها بمقابل مادي. وكذلك الحال بالنسبة للتعليم، إذ تقدم الدولة التعليم مجاناً من خلال المدارس الحكومية، كما قام القطاع الخاص بتقديم تلك الخدمات من خلال المدارس الأهلية، وهكذا الحال بالنسبة للكليات الحكومية والأهلية وغيرها من الخدمات الأخرى.
تأتي فكرة توفير الخدمات نفسها التي يوفرها القطاع العام من قبل القطاع الخاص، إما لعدم قدرة القطاع العام على تغطية الطلبات الموجودة كافة، أو لتدني مستوى الخدمات التي يقدمها القطاع العام مما جعل القطاع الخاص يجد في هذا الأمر فرصة استثمارية مميزة لرغبة بعض فئات المجتمع، إما في الحصول على الخدمة لأنها غير متوفرة لدى القطاع الحكومي، أو أن مستوى الخدمة في القطاع الخاص أفضل، أو رغبة في الرفاهية ولوجود القدرة المالية.
لقد حرصت بعض الجهات في القطاع العام على تطوير خدماتها من خلال ما يعرف بالخصخصة، وهي عملية نقل ملكية أو إدارة مؤسسات، ومشاريع، وخدمات عامة إلى القطاع الخاص، استناداً إلى آلية السوق والمنافسة، بواسطة عدة طرق، من ضمنها عقود للإدارة، والتشغيل، والتأجير، والتمويل، أو بيع كل أو جزء من المؤسسة الحكومية للقطاع الخاص. ومن هذه الخدمات (الاتصالات، الكهرباء، خدمات المياه والصرف الصحي، البريد). وتتفاوت مستوى الخدمات لدى تلك الجهات التي تم خصخصتها، ففي الوقت الذي تجد بأن هناك فرقاً واضحاً بعد نقل تلك الإدارات إلى القطاع الخاص، فإن بعض الجهات لم تتغير خدماتها وبقيت كما هي.
في المقابل نجد أن هناك بعض الجهات الحكومية أصبحت تقدم خدماتها إلكترونياً، بل استطاعت أن تطور مستوى مثل هذه الخدمات إلى مستوى أفضل من مستوى القطاع الخاص مما جعلها تسبق القطاع الخاص في بعض الجوانب، وهذا ساهم في إيجاد تحسن نسبي في مستوى أداء الجهات الحكومية. وفي المقابل تجد أن الناس أصبحوا يعانون من كثير من الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص مما جعل بعضها في مستوى أسوأ من مستوى خدمات الدوائر الحكومية، على الرغم من أن تلك الخدمات ليست مجانية، بل يقوم المراجع بدفع مقابل مادي باهظ ليحصل على تلك الخدمة.
هذا مؤشر مهم يجب أن يسعى القطاع الخاص إلى التنبه إليه، فهناك العديد من الشركات والمؤسسات لم تعد تعطي الاهتمام اللازم للزبون، على الرغم من أنه يجب أن يكون في مقدمة اهتماماتها. وفي المقابل نجد أن بعض القطاعات الحكومية أصبحت تتعامل مع المراجع وكأنه ضيف، فسخرت له كل الإمكانيات، ووفرت له الخدمات الإلكترونية، وأصبحت تقدم له القنوات المختلفة لتسمع رأيه وشكواه ومقترحاته، بل أصبح بعض المسؤولين في القطاعات الحكومية وبعضهم على مستوى وزراء يتواصلون مع الجمهور من خلال بعض الوسائل الاجتماعية.
لقد ساهمت بعض المتغيرات وتأسيس بعض الهيئات وتطوير وسائل التواصل في تحسين أداء بعض الجهات الحكومية مما جعل البعض يعيد النظر في آلية التعامل مع تلك الجهات الحكومية ومستوى أدائها. وهذا الأمر قد يساهم في زيادة العبء على الخدمات الحكومية من خلال استغناء البعض عن خدمات القطاع الخاص سواء لسوء الخدمة أو لارتفاع الأسعار، وذلك باعتبار أن مستوى الخدمات قد أصبح متساوياً بين الطرفين، فبلاشك سيصبح التوجه إلى الخدمة المجانية باعتبار أنها أوفر في ظل الغلاء الذي نعيشه اليوم.
لذلك أعتقد أنه يجب على القطاعين الحكومي والخاص أن يستفيدا من الإيجابيات الموجودة لدى كل منهما. وفي المقابل أن يتعاونا على تقليل السلبيات الموجودة لدى كل قطاع ويستفيدا من الأخطاء الموجودة في كل قطاع وطريقة معالجتها والحرص على عدم تكرارها مستقبلاً.