تونس - فرح التومي - الجزيرة:
تسود الضبابية الجولة الجديدة من المفاوضات التي تقودها الرباعية برئاسة اتحاد الشغل التي كان أمَّها الفرقاء السياسيون إلى غاية الجمعة القادم لإيجاد حل للأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها البلاد منذ قرابة الشهرين، دون أن تبرز على السطح مؤشرات انفراج حقيقي عدا بعض التطمينات من هذا الطرف أو ذاك فيما يتمسك طرفا النزاع كل بموقفه مما جعل مسألة حلحلة الأزمة أمراً صعباً.
وكان اتحاد الشغل أحد أضلاع الرباعية المتفاوضة، وأكبر منظمة شغيلة في البلاد، قد أعلن أنه مضطر إلى التصعيد في حال انقضاء الأسبوع الجاري دون التوصل إلى حل جذري للأزمة، يمر حسب رأيه، عبر تنفيذ مبادرته التي ترتكز على حل الحكومة وتحديد سقف زمني وجيز لإنهاء عمل المجلس التأسيسي وإعادة النظر في توزيع صلاحيات الرئاسات الثلاث أو ما يعرف بالدستور الصغير المنظم للسلط.. وهو قانون يفتح الباب أمام انفراد حكومة الترويكا بإدارة الشان العام للبلاد، فيما تكتفي رئاسة الجمهورية بالقليل من الصلاحيات، وبالتالي تظل مؤسسة الرئاسة مجرد ديكور في الساحة السياسية، وهو ما تسعى جبهة الإنقاذ إلى تنقيحه جذرياً بما يتماشى ورغباتها في تقاسم السلطة.
وكانت الأوساط السياسية اهتزت على وقع كشف وثائق تنبه إلى إمكانية وقوع تصفية جسدية للسياسي والنائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي أياماً قبل اغتياله.. وهي وثيقة صادرة عن مصالح مخابراتية أجنبية وصلت وزارة الداخلية إلا أنها لم تصل إلى مكتب وزير الداخلية المستقل لطفي بن جدو، وبالتالي لم يقع أخذها بعين الاعتبار.
ولم يستفق التونسيون من صدمة الوثيقة التي سرّبتها أيادي الأمن الموازي صلب وزارة الداخلية، حتى تم نشر وثيقة أخرى تثبت بما لا يدع مجالاً للشك نية أطراف مسلحة اغتيال البراهمي، الذي قتلته أيادي الغدر صبيحة يوم 25 يوليو الماضي دخلت على أثره البلاد في أزمة سياسية وأمنية خانقة زادها تعقيداً اغتيال ثمانية جنود بجبل الشعانبي على أيدي إرهابيين مسلحين متحصنين بالجبل، قالت الداخلية إنها تمكنت من إلقاء القبض على عدد كبير منهم.
كتلة النهضة بالمجلس التأسيسي، الذي عاد للعمل منذ أمس بصفة رسمية بالرغم من انسحاب البعض من نوابه والتحاقهم باعتصام الرحيل، طلبت بصفة رسمية أول أمس عقد جلسة عامة لمساءلة وزير الداخلية حول موضوع الوثائق المسربة التي تورط مصالحه المختصة، كما دعت الكتلة وزير العدل إلى حضور الجلسة لسؤاله حول تعمدلنيابة العمومية سجن إعلاميين تونسيين، مما أثار موجة من الإضرابات والاعتصامات صلب قطاع الإعلام، ووتَّر العلاقة أكثر فأكثر بين الصحفيين وحكومة الترويكا التي يتهمونها بمحاولة وضع يدها على القطاع بهدف تركيعه وتطويعه وفق رغبتها.
ولا ينكر المتتبعون للشأن السياسي أن الأزمة الحارقة التي تمر بها تونس والتي ألقت بظلالها على الأمن والاقتصاد، قد زادت استفحالاً بدخول قطاع الإعلام على الخط وتجييشه للصحفيين ضد حكومة الترويكا التي وإن استنكرت سجن الصحفيين إلا أنها أكدت أن لا أحد فوق القانون وكل من أخطأ وجبت محاسبته.
وهو ذات الموقف الذي اتخذته رئاسة الجمهورية، التي رأت في بيان لها أن القانون فوق الجميع مهما كانت مكانة المخطئ، مما زاد في تعكير الأجواء ودفع بالصحفيين إلى شن إضراب عام أمس الثلاثاء، وهو ثاني إضراب في ظل حكومة الترويكا بعد إضراب يوم 17 أكتوبر 2012.
سياسياً، يأمل المحللون السياسيون في توصل طرفي النزاع، الحكومة من جهة والمعارضة من جهة أخرى، إلى حل توافقي بشان خارطة طريق جرى الإعداد لها في كنف السرية وبعيداً عن أعين الإعلاميين في مسعى لضمان أوفر ظروف النجاح للمفاوضات بشأنها دون ضغوط خارجية ولا داخلية.
التسريبات تفيد بأن النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم، على اقتناع بأن تواصل الأزمة يضر بصورتها لدى الرأي العام، وعموم الناخبين وحتى لدى قاعدتها التي عبَّرت عديد المرات عن قلقها وعدم رضاها عن سلسلة التنازلات التي أقدمت عليها قيادتها.