كتب حمزة السالم مقالاً بعنوان: (السلفية على فراش الموت) في جريدة الجزيرة ينتقد فيه دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله- بأنها:
1 - وصلت إلى مرحلة متأخرة من شدة المرض كأنها في العناية المركزة تنتظر الموت،
2 - ووافق على أن دعوة السلف متهمة بالتهم التي يتهمها بها الإعلام الغربي، بل زعم أن الجماهير المسلمة تتهم الدعوة بذلك وتطالب بمحاكمتها ومعاقبتها!
3 - وزعم أن هذه الدعوة مرتبطة بالأشخاص والحوادث المتغيِّرة ليس لها جذور تقيها من العواصف والانتكاسات،
4 - وشبهها بشجرة البرسيم التي تنمو سريعاً وتزول سريعاً،
5 - وصف الدعوة بالشجرة التي تساقطت أوراقها وظلمها أبناؤها بعدم رعايتها وتجديدها وصيانتها،
6 - زعم أنها عبء على الدولة السعودية،
7 - وزعم أن الدعوة تخلّفت تخلفاً شديداً عن مظاهر التطور الإنساني،
8 - زعم أن دولة طالبان طبَّقت الدعوة روحاً وجسداً ولهذا انتهت سريعاً وأن الدولة السعودية طبَّقت الدعوة روحاً وخالفتها جسداً ولهذا بقيت وطال عمرها!
9 - زعم أن التخلّي عن الدعوة السلفية مطالب كثير من السعوديين السلفيين،
10 - زعم أن الدولة متخلفة في الأنظمة والقوانين عن مواكبة التطورات الإنسانية،
11 - زعم أن الشباب الإسلامي محروم من المشاركة الفكرية السياسية وأنهم يقلِّدون تقليداً أعمى،
12 - زعم أن التطبيقات العملية والفقهية إذا أصلحت فهذا هو الدفاع الحقيقي عن الدعوة،
وأقول في الرد عليه:
يجب أن يعلم الكاتب وغيره أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله- امتداد لدعوة السلف الصالح وتسير على نهج السلف الصالح وهذه الدعوة السلفية هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم وستبقى إلى آخر الزمان لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى)، وهذه الدعوة السلفية لم تخرج عن منهاج النبوة، ونتحدى الكاتب أن يأتي بشيء من هذه الدعوة يخالف الحق ويخالف الكتاب والسنَّة فإذا علم هذا فليس في الكتاب والسنَّة ما يعارض التطور والرقي المنضبط بضوابط الشرع الحنيف،
ومن الخذلان ما يكتبه هذا الكاتب ومن الكيد للدعوة وتنقّصها والدعوة للتخلّي عنها بدعوى أن أتباعها لم يواكبوا التطور الإنساني!
إن الكاتب يدور حول مطالبة الدعوة الإصلاحية بالتغيّر لتوافق التطور الإنساني وإن لم نفعل ذلك ماتت الدعوة، فهو يهدّد: إما أن تتطوروا وتتنازلوا عن عقيدتكم ومبادئكم تجاه بعض الأمور التي يراها الكاتب ضرورية وإلا فإنكم ستهلكون،
والكاتب صرّح ببعض صور التطور الإنساني ولمح ببعض، فالتطور الذي يريده في الاقتصاد هو نتاج محاولاته التي فشلت لإقناع الآخرين بما يراه من تحليل معاملات ربوية وتصحيح عقود باطلة تجريها البنوك اليوم وأدنى اطّلاعة على مقالاته ينبئك عن فكره ومراده، وقد رد عليه أهل العلم وطلابه بما يكفي فضاق ذرعاً بهذه الردود فلجأ إلى النيل من هذه الدعوة السلفية،
وبالتالي فالكاتب اختصر مقالته بجملة مهمة وهي قوله: (لم يحتج الأمريكان إلى سنين أو أجيال، بل إلى أشهر أو أسابيع ليغيّروا ويعدلوا كثيراً من إستراتيجياتهم ومناهج مدارسهم السياسية، بعد حادث سبتمبر أو بعد ثورة تونس ومصر)، إذاً هي تبعية شديدة لأمريكا! وكره لما جاء في الشريعة الإسلامية أخرج هذا الكره في قالب نقد أتباع الدعوة السلفية!
لقد ثقلت عليهم الأوامر والنواهي فتهجموا بالباطل على حملة الشريعة ودعاة التوحيد والسنَّة وألصقوا بهم تهمة التطرف وتهمة التخلف والرجعية!
ثقل عليهم دين الله واستحسنوا الأهواء والآراء الفاسدة، قال الله تعالى {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}، وقال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}، إن دعاة الشر رأوا أن الدين الإسلامي الحق نغّص عليهم شهواتهم ومآربهم وأهواءهم فثقلت عليهم تكاليف الشريعة،كيف يتوصلون للنيل من الشريعة! إن ذلك يكشفهم أمام المسلمين لأجل هذا احتالوا فنالوا من هذه الدعوة السلفية ودعاتها ليتوصلوا بذلك إلى هدم الدين،
ونقول للكاتب: إن النجاح في التعامل مع المتغيِّرات السياسية والاقتصادية لا يرتبط بالتنازل عن مبادئ الدعوة السلفية الحقة التي هي مبادئ الإسلام ولكن من يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً، بل إن الإصلاح الحقيقي والنجاح والنصر والتوفيق مرتبط بالتمسك بهذا الدين قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}، فهؤلاء هم المصلحون يا حمزة يتمسكون بالكتاب أشد التمسك ويقيمون الصلاة،
إن هذا يذكِّرنا بما حصل للمسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم لما تكالب عليهم الأعداء من كل حدب وصوب كما هو حالنا اليوم، فقال المنافقون: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} إلى قوله: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} إلى قوله: {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}،
لكن عندما يكون العقوق من أحد أبناء هذه البلاد وينحرف عن جادة الصواب ويظن أن الحق في متابعة الغرب واللحاق بهم ومواكبة تطورهم والتشبّه بأفعالهم فهذا هو الكفر بالنعمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}،
إن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي تجديد للإسلام ولم يأت بشيء جديد من عنده، وإن الإسلام ولله الحمد صالح لكل زمان ومكان ولا يتعارض مع السياسة ولا الاقتصاد السليم ولا الإدارة ولكن الإسلام به توزن أعمال الناس فمتى ما استقاموا عليه استقامت حياتهم وصحت شؤونهم ومتى ما تركوه أو خالفوه انتكست أحوالهم،
ونقول لحمزة إن رجالاً يحملون هذه الدعوة السلفية ويحمونها قد عاهدوا الله على ذلك وما تضعضعوا ولا تغيّروا ولا تنازلوا عن الحق مهما أرجف المرجفون {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}،
تشبيه دعوة السلف بدعوة طالبان:
أستغرب من الكاتب عندما يشبّه دعوة سلفية صافية تقوم على التوحيد لله رب العالمين والاتباع للسنَّة المحمدية فيشبّهها بدعوة طالبان التي عرف الناس - خاصتهم وعامتهم- ما عندهم من بدع وخرافات وشركيات ولكن أتذكّر قول الله تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}،
وجود الأخطاء الفردية لا يعني فساد المنهج:
وجود الأخطاء والملحوظات في العمل وفي التطبيق لا يعني نهاية الدعوة السلفية ولكن كاتب هذا المقال متضايق من دعوة قامت على الحق وأقامت دولة الحق فصار الكاتب يضخّم ما ظنه أخطاء ليفت في عضد أهل الإسلام ويشارك الأعداء في عدوانهم، وما زال أعداؤنا يتصيِّدون الأخطاء وينفخون فيها {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}،
تناقض مريب وعجيب:
يتناقض الكاتب بزعمه أن التخلّي عن الدعوة السلفية مطالب كثير من السعوديين السلفيين فكيف يكون سلفياً من يطالب بالتخلّي عن الدعوة السلفية؟! ما هذا الكلام؟! كل إناء بما فيه ينضح،
لعله يريد أن يصف نفسه بأنه سعودي سلفي وهو يريد التخلّي عن هذه الدعوة فهذا شأنه ولكنه بهذا يعلن أنه لا يمت لمنهج السلف بصلة،
ثم ليُسمِّ لنا هؤلاء السعوديين السلفيين الذين يريدون أن يتخلّوا عن الدعوة السلفية؟!
ويتناقض الكاتب في مقالته كلها فهل يريد بنقده الدعوة السلفية كما هو عنوان مقالته أم يريد نقد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أم يريد نقد الإسلام الحق كما هو مضمون مقالته؟!
إني أتحدى الكاتب أن يأتي بأمر خالفت فيه الدعوة الإصلاحية مصالح المسلمين أو عطَّلت تطور الدولة المسلمة، ولعل الكاتب أن يتنبه للفرق بين الدعوة الإصلاحية السلفية الصافية وبين الدعوات البدعية الباطلة التي تنتسب زوراً وبهتاناً لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله- وهذه الدعوات الباطلة هي التي شوَّهت صورة الإسلام وهي تنتسب إليه مبتعدة عن شريعة الإسلام ومبادئها السمحة، والله المستعان وعليه التكلان،
فهد بن سليمان بن إبراهيم الفهيد - الأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بالرياض