العقول المتميزة في العالم العربي والإسلامي متوافرة، وما عليها حين تقرر المشاركة في مسيرة العالم العلمية سوى السفر إلى الخارج، حيث المراكز البحثية والترحيب الحار والأمن المادي والفكري. هناك سوف تجد المناخ المناسب للاستيعاب والإضافة العلمية والتكريم. بقاء هذه العقول في مجتمعاتها بشروط الحياة والمفاهيم الحالية لا يقدم لها سوى فرصة التعايش البائس والمنافق مع الأوضاع كوسيلة للعيش؛ ما يحتم عليها التنازل عن تحقيق طموحات علمية حقيقية، والاكتفاء من استعمال العقل بما يتوافق مع المتطلبات الواقعية.
التطور العلمي الجامع بين الاستيعاب والإضافة والتطبيق يحتاج إلى رفع القيود عن العقول، وإلى البحث الجاد عن النوابغ، وإلى التمويل السخي خارج الإطار البيروقراطي. والأهم من ذلك: يحتاج إلى رفع التدخل الحكومي والمؤسساتي عن المراكز والمؤسسات البحثية التطبيقية. هذه الشروط الأساسية للنمو العلمي الإنتاجي غير متوافرة حالياً، لا في العالم العربي خصوصاً، ولا الإسلامي على العموم. في هذين العالمين المتداخلين والمكبلين بالتخلف تريد الحكومات حصتها الكاملة من الدعاية الوجاهية، وتريد الإدارة البيروقراطية حصتها التكسبية والرقابية، وتريد المؤسسات الوعظية حصتها التراثية في المحافظة على ما تحدده من الثوابت بحجة حمايتها من الإفساد العلماني والتغريبي.
حجم المشكلة يتضح عند الاعتراف بحقيقة أن هذين العالمين (العربي والإسلامي) هما الأكثر تخلفاً وحروباً، والأشد حاجة للإنقاذ من التخلف، والأشرس مقاومة للانفتاح على شروط العلم والفكر، على مستوى الحكومات والبيروقراطيات الإدارية والمؤسسات الوعظية والتربوية.
هذه الحال لا يجاريها في الاحتيال للحصول على الشيء بشروط التفافية سوى مواصفات زواج المسيار، المسموح بها أيضاً وفقط في نفس البيئات المذكورة أعلاه.
زواج المسيار يقوم على محاولات إشباع الغرائز الجنسية بادعاء الحرص على عفة النساء غير المحصنات أولاً، وكبح جماح المحصنين من الرجال ثانياً، ولكن ذلك يجب أن يتم بمواصفات التفلت من لوازم المتطلبات الشرعية للزواج الحقيقي المقيد بشروط النصوص الدينية بكل وضوح.
عند المقارنة يتضح أن العالم العربي والإسلامي يخضع التطور العلمي لنفس الشروط التي يخضع بها المرأة لزواج المسيار. الالتزام بالتمويل الذي تحصل عليه زوجة المسيار (المهر والنفقة ومصاريف الحياة الزوجية) أوله وعود، وآخره مماطلات، والاستمتاع المؤقت محدد بشروط الرجل الزمنية والاجتماعية والمالية. الناتج النهائي من كلا الأمرين: البحث العلمي أبحاث وهمية، وزواج المسيار أبناء الليل. وهذا الناتج لا يريد أحد احتضانه والقيام بواجبات متابعته وإعداده للمستقبل.
الأمران كلاهما يخبِّئ منذ البداية إلى النهاية كمًّا كبيراً من الاحتيال، أي مقاربة العلم لأسباب ادعائية وجاهية وانتفاعية، ومقاربة النكاح لأسباب إشباعية غريزية، والنتائج واحدة، تشبه أوضاع اللقطاء الذين لا يلتزم بمسؤولياتهم أحد.
في النهاية، لا بد من الاعتراف، بأنه وبقدر ضرورة انفتاح المجتمعات على العلوم والمعارف لتأمين المستقبل إلا أن في المسألة تهديداً لمصالح كبرى، ترسخت بفعل الزمن، ويتطلب التنازل عنها إدراكاً عميقاً وقناعات حقيقية لدى المستفيدين الأُول، وهو إدراك لا غنى عنه لشروط الانتقال إلى الإنتاجية والاعتماد على النفس وحماية المجتمعات من موت المتخلف في متاهات الصحراء منفصلاً عن القافلة الإنسانية.
الرياض