إعادة «سوق عكاظ» إلى الحياة هي مبادرة ثقافية رفيعة سنعي قيمتها بشكل أعمق بمرور الوقت عندما يترسخ من جديد اسم سوق عكاظ كأهم وأقدم فعالية ثقافية جماعية في تاريخ الثقافة العربية. فما إن ترد كلمة «عكاظ» على أي لسان في أي مكان من العالم العربي وخارجه حتى يتداعى إلى الذهن شريط طويل من الصور والمشاهد الضاربة في أعماق الثقافة العربية منذ أيام الجاهلية حين كان الشعراء القادمون من كل مكان يتوافدون إلى السوق لإلقاء قصائدهم ويتنافسون على مواقع السبق والريادة! ولكن كان السؤال الذي يجرحنا ويحرجنا به المثقفون العرب دائماً عندما نلتقي بهم هو: أين عكاظ الآن وما هو دورها؟!
لقد مرت قرون طويلة منذ أن اختفت سوق عكاظ من الحياة الثقافية العربية، ومع ذلك لم يختفِ ذكرها كرمز كبير لثقافة عربية ثرية سادت ثم بادت. فكل من يعرف شيئاً عن الثقافة العربية يدرك أهمية الدور الذي قامت به سوق عكاظ كملتقى للشعر والثقافة والتجارة والتعارف بين العرب.
نحن خسرنا كثيراً بغياب سوق عكاظ على امتداد القرون الطويلة الماضية، وفقدت الجزيرة العربية موقعها على خريطة الثقافة العربية، حيث برزت مراكز جديدة للثقافة في أماكن أخرى من الوطن العربي، وخرج علينا من يتحدث عن ثقافة «المراكز» وثقافة «الأطراف»، وتم تصنيفنا على أننا نحن سكان الأطراف الذين يعيشون على هامش الحياة الثقافية العربية ولا يزيد دورهم - في أحسن الأحوال- أرجو أن يكون ذلك قد تغيَّر إلى الأبد بعودة الحياة أخيراً إلى عكاظ. ولقد رأيت هذا العام في سوق عكاظ نشاطاً ثقافياً مدهشاً، بدءاً من نقاش الشباب حول إستراتيجيتهم في ندوة «تطلعات وإبداعات الشباب»، ومروراً بمسرحية الأعشى، والأمسيات التي أحياها الشعراء، وجلسات «تجارب الكُتَّاب» التي تطرّق فيها عددٌ من الكُتَّاب إلى تجاربهم في الكتابة، والعديد من الندوات والفعاليات الأدبية والثقافية والفنية، بما في ذلك معرض الفن التشكيلي وألوان الفلكلور الشعبي، وغيرها.
أسماء كثيرة شاركت في فعاليات سوق عكاظ، معظمها من المملكة وبعضها من دول عربية وإسلامية وأجنبية، وكان للشباب حضورٌ واضح في فعاليات السوق.
بالتدريج سيستعيد سوق عكاظ دوره وأهميته. ومن حسن الحظ أن انطلاقته الجديدة واثقة وقوية مما يجعلنا نتفاءل بما سيكون عليه من مكانة في سماء الثقافة العربية في القريب العاجل.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر