عندما كنت بجادة عكاظ، وعلى الصخرة التي كان شعراء تغلب وكندة وقريش وهوزان وغطفان وأسد وعبس وذبيان يلقون قصائدهم عليها مذكرين بقبائلهم العربية ومعلنين تجارتهم، وفي (شفاءات) الطائف، استعدت ذلك الزمن من بواكير الجزيرة بكل صخورها وشمم جبالها وبطحاء شعابها، تذكرتُ انثروبولوجيا العرب، قبائل عرب البر وعرب البحر وعرب النجاد وعرب التهام وعرب الرمل وعرب الحافات الصخرية، استعدت عرباً في غلف الرمل وجيوب الجبال وانكشاف الهضاب يجتمعون في عكاظ وفي أسواق معدودة، لا ليتفاخروا بأنفسهم وقبائل ضد قبائل إنما يحاولون استعادة كرامتهم وحريتهم التي أطبق عليها ثلاث من الإمبراطوريات في غرب آسيا: بيزنطة في الشام، وساسان في إيران والحبشة في شرقي إفريقيا. والعرب وسط هذه الكماشة لا حول لهم ولا قوة.
الإمبراطوريات الطامعة تنهش من الجسد العربي، وعرب الشمال والجنوب يلتقون في مواسم الحج والتجارة في أسواق، كان أبرزها سوق عكاظ الذي دعانا إليه أمير مكة المكرمة، ودعانا إليه أهل الطائف، ودعانا إليه التاريخ وثقافة الأمس.
الناس بالطائف مرّ بهم التاريخ وهم يحرسون تلك الجبال، ينتظرون موسم الورد والتين البرشومي والتين الشوكي، واليوم ينتظرون سوق عكاظ بأن يكون بداية الفتح الثقافي والفتح الاقتصادي والفتح الاستثماري. هل سنبقى حبيسي زمن الإمبراطوريات الثلاث التي كتمت على أنفاس العرب سنوات طوالاً، واحتلت السواحل وطرق القوافل الصحراوية، و(استنزفت) خيرات جزيرة العرب؟ هل نقف على أعتاب صخرة عكاظ العظيمة، نذكّر بالأجداد الذين قاوموا الغزاة من فرس ورومان وأحباش دون أن نُحدث تغييراً؟
الطائف تنتظر منا اقتصاداً ومزيداً من المشروعات الاستثمارية، ما شاهدناه من فرحة شعوب الدول وهي تفوز بتنظيم الأولمبياد والمسابقات والبطولة الدولية كل ذلك من أجل لفت الأنظار لدولهم، ولجلب الاستثمار، وتحسين الاقتصاد المحلي، والأهم من ذلك تخصيص ميزانيات لإنشاء المشروعات داخل مدنهم، وهو ما ننتظره من أجهزة الدولة جميعها بتوجيه بعض من مشروعاتها الخدمية والاستثمارية المرتبطة باقتصاد الناس إلى الطائف، وإعادة هندسة المحافظة من تخطيط وعمران، وجعلها من مدن الجذب السياحي والثقافي وفق مقومات السياحة الحديثة.