ما زالت نبرة صوته تتردد في أذني, ولا تزال ذكراه تجول في نفسي, ما أجمل خلقه وأجمل به كله. كنا نحتفُّ به ونحن صغار، ونجلس حوله إذا زارنا في منزلنا، يعاملنا كأننا رجال وهو قد تجاوز الستين من عمره. أفرحُ إذا وردنا, ويتبسط معنا, ما عاشره أحد إلا أحبه.
وخالي هو في الحقيقة خال لوالدتي غفر الله لهما، ومما علمتُه بعد وفاته أن الفريح أخوال له، فأمه هيلة بنت عبدالله بن حسن الفريح.
ولد - رحمه الله - في مدينة جلاجل عام 1349هـ تقريباً، ونشأ يتيماً؛ إذ توفي والده وهو دون العاشرة، ورحل إلى الرياض طلباً للمعيشة، وعمل مع ابن عمه إبراهيم بن سليمان الجدعان، ثم عاد إلى جلاجل، واصطحب والدته وأخته معه إلى مكة، ومكث مع ابن عمه عبدالله بن محمد بن عبدالله الجدعان, ثم رجع إلى الرياض، وسكن بعض أحيائه القديمة، فسكن في حي الظهيرة بضع سنين، وأمَّ المصلين في رمضان في مسجد الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، ثم انتقل إلى حي معكال، وأقام به قرابة عشرين سنة، وأمَّ المصلين لبعض الوقت في مسجد الطيار، ثم انتقل إلى حي السويدي، واستقر فيه.
تقلب في أنواع من التجارة، واستقر أمره على تجارة الطيب والعود والعطور فهو (صاحب المسك)، كان يشتري من الذين يجلبون العود من بلاد الهند وغيرها, فيشتري منهم جملة، ثم يقسمه في أكياس، وكان من نصحه - غفر الله له - أن يعزل طيِّب العود عن رديئه حتى لا يقع المشتري ضحية للعود الذي اختلط جيده مع رديئه. كنتُ أحياناً حينما أدخل أسواق المعيقلية ربما سألت بائع الطيب في المحل عن خالي - رحمه الله - فمجرد ذكري لاسمه يَظْهرُ الفرح عليه، ويقول: ونعم، رجل صالح كاف عاف, أعرفه من خيرة الرجال. فأقول: ذلك خالي رحمه الله, وربما مداعبة أقول: لعلك تراعينا في السعر جزاك الله خيراً بما أنك تعرف خالي. فيفعل! حدثني ابن خالي أحمد أنه مرة دخل السوق فتلقاه رجل فقال له: من أنت؟ فأجابه أحمد: أنا ابن خير هذا السوق! فقال الرجل: عرفتك! أنت ابن عبدالله الجدعان.
نعم، ذلكم هو خالي أبو محمد عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد الجدعان, وأسرة الجدعان من أقدم أُسر جلاجل، ومساكنهم تعرف (بحويطة الجدعان). ومن عجيب أمر مسجد حويطة الجدعان أنه مبني من دورين، وهذه الحويطة قديمة جداً، ويحيطها سور عليه أبراج مراقبة.
والجدعان من بني ثور من سبيع.
ولخالي عبدالله ذرية طيبة، زادهم الله توفيقاً وصلاحاً وفلاحاً، قدَّم بين يديه (منيرة وعبدالعزيز الأول) وتوفيا في حياته، وفي آخر سنوات عمره كثرت الأمراض عليه، فلطالما مكث في المستشفى أياماً، وإذا خرج فهو ملازم للفراش، زرته أكثر من مرة فكان صابراً محتسباً ذاكراً الله متوجهاً إليه. وقبل شهر رمضان بأيام سنة 1428هـ في الخامس والعشرين من شعبان ليلة السبت توفي - رحمه الله - عن 79 سنة، وصُلّي عليه بعد عصر يوم السبت بالرياض، ودفن في مقبرة النسيم.
غفر الله لخالي الكريم ولوالدي، وجمعنا بهما في الفردوس، وأشكر ابن الخال الكريم أخي أبا فيصل محمد على تزويدي ببعض المعلومات، بارك الله له في عمره وأهله وماله.
- عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء.