بعدما تبيَّن للدبلوماسية العربيَّة عدم جدِّية الإدارة الأمريكية في التدخل جديًّا لوقف القتل الجماعي للشعب السوري، وبعد وضوح تباين الأهداف واختلاف بين العرب والأمريكيين، إِذْ إن الأمريكيين هدفهم الأول والأساسي هو تأمين أمن الكيان الإسرائيلي، ولذلك فإنَّ تركيزهم هو على التخلص من الأسلحة الكيماوية وليس معاقبة من استعمل ذلك السلاح طالما لم ينل الإسرائيليين، أما العرب ويشاركهم في ذلك إلى حدٍّ ما الأوروبيون فهدفهم حماية الشعب السوري الذي يتعرَّض لهجومٍ شرسٍ من قبل قوات بشار الأسد، ولهذا وبعد وضوح هذا الاختلاف وترجمته من قبل الأمريكيين، الذين يعملون على تدمير أداة الجريمة، التي استعملها نظام بشار الأسد، ولهذا عقدوا صفقات مع الروس تركز على التخلص من الأسلحة الكيماوية التي يرون فيها تهديدًا لأمن الكيان الإسرائيلي، في حين تغاضوا عن معاقبة من استعمل هذه الأسلحة ضد الشعب السوري.
ولهذا فإنَّ الدبلوماسية العربيَّة بدأت تركز على التعاون والتنسيق مع الدبلوماسية الأوروبيَّة وبالتحديد مع فرنسا، التي تسعى بحزم وشفافية لإيجاد حلِّ للأزمة السورية ينقذ الشعب السوري من سطوة نظام مجرم لا يتوانى عن قتل أكبر عدد من أفراد الشعب ليبقى محتفظًا بحكم سورية. ولهذا فقد التقى وزراء خارجية المملكة العربيَّة السعوديَّة والأردن ودولة الإمارات العربيَّة المتحدة بوزير خارجية فرنسا، الذي يقود التحرّك الأوروبي، الذي يتوافق إلى حدٍّ ما مع التحرك العربي، ويكتسب هذا اللقاء أهمية خاصة كون الوزير الفرنسي سوف يعقد اجتماعات ثنائية مع وزير الخارجيَّة الصيني في بكين، يعقبها اجتماعات مماثلة مع وزير الخارجيَّة الروسي في موسكو في طريق عودته إلى بلاده.
والتنسيق الدبلوماسي العربي مع أوروبا في هذه المرحلة يُعدُّ تصرفًا حكيمًا، ذلك لأن اتجاه الدبلوماسية العربيَّة نحو أوروبا جاء -كما أوضحنا- بعد أن تبيَّن للعرب أن أهداف الإدارة الأمريكية ليست بالضرورة متوافقة مع الأهداف العربيَّة، التي تتركز على حماية الشعب السوري من القتل الجماعي، الذي يمارسه النظام السوري باستعمال أسلحة فتَّاكة، حتَّى وإن وصفت بأنها أسلحة تقليدية، فالصواريخ والطائرات الحربية والبراميل المتفجرة قتلت من السوريين أضعاف ما قتلته الأسلحة الكيماوية، ومع هذا لم يردْ أيّ شيءٍ عن هذه الأسلحة التي عادت للعمل مثلما نراه من معاودة للطيران الحربي للنظام السوري، الذي استأنف طلعاته التدميرية للمحافظات والمدن السورية بعد توقف إجباري بعد تهديده بالضربات العسكرية الأمريكية، التي لم تكن سوى زوبعة في فنجان (كيماوي).
jaser@al-jazirah.com.sa