|
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أفاد أكاديمي متخصص في الدراسات والثقافة الإسلامية أن اشتراط عدم الإنجاب في عقد النكاح بين الزوجين يعد من الشروط الباطلة لمخالفة الأحكام المقررة شرعاً؛ مثل اشتراط عدم التوارث أو عدم الوطء أو اشتراط العزل، وحكم مثل هذه الشروط: أن عقد النكاح صحيح، مع إلغاء الشرط وبطلانه؛ لمخالفته مقتضى عقد النكاح ومقاصده، ولمخالفته ما دلت عليه النصوص الشرعية.
جاء ذلك في دراسة بحثية أعدها الدكتور عبدالله بن فهد الحيد عضو هيئة التدريس بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود انتهى من خلاله إلى مجموعة من التوصيات والنتائج منها: أن الإسلام أمر بالنكاح، ورغَّب فيه، وبين أهميته ومنافعه الكبيرة، وأنه وسيلة إلى تحقيق مقصود شرعي عظيم، وهو المحافظة على النسل وإنجاب الأولاد، وأن الإسلام حث على تكثير النسل، لما فيه من المصالح العظيمة.
وبين الدكتور الحيد أن الشروط في عقد النكاح تنقسم على سبيل الإجمال إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: الشروط التي من مقتضى العقد ومن مقاصده، كاشتراط مسكن يليق بالزوجة، أو النفقة على الزوجة أو الكسوة لها، أو حسن العشرة، أو حل وطء الزوج لزوجته، أو كفيل بالمهر أو الرهن به، أو اشتراط تعجيله أو تأجيله، وهذه الشروط صحيحة يجب الوفاء بها باتفاق أهل العلم، وهي من قبيل التأكيد والتوثيق لأمور مقررة شرعاً، ويشهد لصحتها ما ورد من النصوص الشرعية في الأمر بالوفاء بالعقود والشروط، والقسم الثاني: الشروط التي تنافي مقتضى العقد، وتخالف مقاصده، مثل: اشتراط تأقيت النكاح، كما في نكاح المتعة ونكاح المُحلَّل ونكاح الشَّغار، وهذه الشروط محرمة شرعاً، فلا يجوز الاتفاق عليها ولا اشتراطها في عقد النكاح، وهي باطلة في نفسها ومبطلة للعقد؛ لما ورد النهي عنها، أما القسم الثالث: الشروط التي ليست من مقتضى العقد، ولكن فيها مصلحة ومنفعة للزوجين أو لأحدهما، وهي على نوعين: الأول: شروط باطلة مخالفة للأحكام الشرعية، مثل: اشتراط عدم التوارث بين الزوجين المسلمين، أو أن تشترط الكتابية إرثها من زوجها المسلم، أو أن يشترط الزوج عدم المهر، أو أن لا ينفق على زوجته، أو اشتراط العزل أو عدم الوطء، أو تشترط الزوجة طلاق ضرتها.. وفي هذا النوع يصح عقد النكاح عند الجمهور، لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد، ويبطل الشرط بالاتفاق؛ لُمنافاته مُقتضي العقد، ولمخالفته ما دلت عليه النصوص الشرعية، كما دل عليه الحديث المتفق عليه: (... فأيما شرٍٍط كان ليس في كتاب اللهِ فهو باطل وإن كان مائةَ شرط، فقضاءُ اللهِ أحق، وشرطُ الله أوثق...)، والنوع الثاني من الشروط: شروط لا تنافي مقتضى عقد النكاح، ولم يرد النهي عنها، وفيها مصلحة للزوجين أو أحدهما، مثل: اشتراط الزوجة إقامة الزوج في بلد الزوجة، أو عدم الزواج عليها، أو أن يكون أمرها بيدها، أو أن يشترط الرجل على زوجته ترك دراستها أو وظيفتها، وهذا النوع محل خلاف بين الفقهاء على قولين:الأول: جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية على إلغاء الشرط، والثاني: قول الحنابلة ورواية عند المالكية أن الشرط صحيح، ويلزم الوفاء به، ومتى لم يف به فللمشترط طلب فسخ النكاح، والراجح هو القول الثاني بأن هذه الشروط صحيحة ويلزم الوفاء بها، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالوفاء بالعقود والعهود، ولقوة أدلة أصحابهذا القول.
وأشار الدكتور عبدالله الحيد إلى أن اشتراط عدم الإنجاب على نوعين:الأول: اشتراط مطلق غير مقيد بوقت، باشتراط عدم الإنجاب أبداً، والنوع الثاني اشتراط محدد بوقت كسنة أو سنتين أو أكثر، مبيناً أن من أهم البواعث والأسباب التي تدعو إلى اشتراط عدم الإنجاب ما يلي: المرض، وهو من أهم الأسباب والبواعث للاشتراط، وتتنوع الأمراض وتختلف جهات النظر فيها، فقد يكون المرض من جهة الزوجة، أو من جهة الزوج، وقد يكون المرض عضوياً، وقد يكون نفسياً، أو عصبياً، وقد يكون وراثياً معدياً، و الاكتفاء بما عند الزوج، أو الزوجة، أو هما معاً من الأولاد، والخشية من فساد الأولاد وعقوقهم، لانتشار ذلك، وخوف الفقر لقلة ذات اليد، أو الخوف على مستقبل الحمل بعد الولادة.و كراهة ولادة الإناث، وتعزز الزوجة من الحمل والولادة، وما يتبعهما، وأن الاشتراط يمكن أن يقع من الزوج، أو الزوجة، أو كليهما، أو يقع الاشتراط من ولي المرأة، وغالباً ما يكون الاشتراط من قبل الزوج.
ومن النتائج التي توصل إليها الباحث أن إنجاب الأولاد نعمة كبيرة يحبها الإنسان، ويسعى بفطرته إلى طلبها، ويفرح بتحصيلها، وأن اشتراط عدم الإنجاب دائماً أبداً في عقد النكاح ينافي مقصود عظيم من مقاصد النكاح الشرعية، وهو إنجاب الأولاد وتكثير النسل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما يترتب على ذلك من مصالح كثيرة في الدنيا والآخرة، وأن اشتراط عدم الإنجاب أبداً يدخل في النوع الأول من القسم الثالث من أقسام الشروط، وهو: الشروط الباطلة لمخالفة الأحكام المقررة شرعاً؛ مثل اشتراط عدم التوارث أو عدم الوطء أو اشتراط العزل، وحكم مثل هذه الشروط: أن عقد النكاح صحيح، مع إلغاء الشرط وبطلانه؛ لمخالفته مقتضى عقد النكاح ومقاصده، ولمخالفته ما دلت عليه النصوص الشرعية، ومن أوضح الأدلة وأصرحها على بطلان أمثال الشروط السابقة، حديث بريرة - رضي الله عنها - المتفق عليه: (.. فما بال رجال منكم يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ؟ فأيما شرط كان ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، فقضاء الله أحق، وشرط الله أوثق..) مشيراً إلى أنه إذا كان اشتراط عدم الإنجاب محدد بوقت، مثل السنة والسنتين، فإن هذا الاشتراط يكون في معنى اتفاق الزوجين على تأخير الحمل لتلك المدة عن طريق العزل، أو ما يشبهه باستعمال وسائل منع الحمل، والتي تكون سبباً في تأخير حصول الحمل وعدم الإنجاب، وقصد تأخير الحمل جائز، بناء على جواز العزل في قول الأئمة الأربعة بشرط إذن الزوجة الحرة، لثبوت جواز العزل بالسنة الصحيحة، و إذا قدر الله سبحانه وتعالى حمل الزوجة من زوجها في عقد النكاح الذي تم فيه اشتراط عدم الحمل والإنجاب، فإنه يمكن أن يترتب على ذلك في الواقع: قصد الفرقة بين الزوجين، أو التسبب في إسقاط الحمل، أو ظلم الزوج زوجته بعضلها أو التضييق عليها.
وأضاف إن قصد الفراق بين الزوجين يمكن أن يكون من الزوج الذي اشترط على زوجته عدم الإنجاب، وذلك بالطلاق الذي هو في الأصل بيد الرجل، وهذا وإن كان حقاً للزوج إلا أن يشار هنا إلى أمرين: الأول: أن النصوص الشرعية تدل على أنه لا يصار إلى الطلاق إلا عند الحاجة إليه، وبعد اتخاذ كافة الوسائل المشروعة للإصلاح وعدم حصول الفراق بين الزوجين، والأمر الثاني: أنه ينبغي أمر الزوج بتقوى الله عز وجل، وعدم التسرع بفصم عُرى ميثاق النكاح، وأن يعلم الزوج أن هذا الشيء قدره الرحيم الحكيم العليم، وأن الزوج لا يدري أسرار ما قدره الله، فقد يكون في المقدر خير كبير للزوج في العاجل أو الآجل، أو فيهما معاً، فعليه الرضا بقضاء الله وقدره، وحمد الله على ما خلق وقدر وأعطى.
وقال الدكتور الحيد: إذا كان اشتراط عدم الإنجاب من قبل الزوجة أو وليها، ثم طلب الزوج زوجته بالإنجاب، ومنعها من اتخاذ وسائل منع الحمل، فأرادت فراق الزوج قبل حملها، أو بعد ما حملت، فإن الزوجة لا تملك مخاصمة زوجها ومطالبته بفسخ النكاح بسبب عدم الوفاء بالشرط، لأن هذا من الشروط الباطلة لمنافاته مقصود عظيم، وهو إنجاب الأولاد، ويمكن للزوجة أو وليها المطالبة بالخلع، فإنه مشروع مشيراً إلى أن معنى الإسقاط في الاصطلاح الفقهي يتفق مع معناه في اللغة، فإن الإسقاط عند الفقهاء هو إلقاء المرأة جنينها قبل التمام، ويسمى أيضاً: الإجهاض، ولإسقاط الحمل حالات يختلف حكم الإسقاط باختلافها، وقد فصل الفقهاء القول في حالات وأحكام إسقاط الجنين، وصدرت فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم: (17576) في 19-1-1416 هـ، والتي تم تعميمها على جميع المستشفيات والمرافق الصحية للعمل بموجبها، بالنص التالي: حكم الإسقاط: الأصل أن إسقاط الحمل في مختلف مراحله لا يجوز شرعاً، إسقاط الحمل في مدة الطور الأول وهي مدة الأربعين لا تجوز إلا لدفع ضرر متوقع، أو تحقيق شرعية، تقدر كل حالة بعينها من المختصين طباً وشرعاً، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد، أو خوفاً من العجز عن تكاليف المعيشة والتعليم، أو من أجل مستقبلهم، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز، ولا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه، بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره، جاز إسقاطه بعد استنفاد كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار، وأنه بعد الطور الثالث وبعد إكمال أربعة أشهر للحمل لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لإنقاذ حياته، وإنما رخص الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين، وجلباً لعظمى المصلحتين، معرفاً فضيلته الظلم في اللغة: بأنه وضع الشيء في غير موضعه، وأصل الظلم: الجور، ومعنى الظلم في الاصطلاح يتفق معناه في اللغة، أما العضل في اللغة فمعناه: المنع، والحبس، والعضل في الاصطلاح الفقهي يأتي بمعنى: عضل المرأة عن الزواج، أي: منعها من التزويج بكفئها، ويأتي بمعنى عضل الرجل زوجته أي: التضييق عليها لتطلب الطلاق، أو لتفتدي نفسها منه، وهذا المعنى هو المراد في البحث. وخلصعضو هيئة التدريس بقسم الثقافة الإسلامية كلية التربية بجامعة الملك سعود إلى أن إضرار الزوج بالزوجة بغير وجه حق حرام؛ لأن إلحاق الضرر بالغير ظلم، والظلم حرام، ولأن الضرر منهي عنه، بل إن إضرار الزوج بالزوجة أشد حرمة من غيره؛ لمناقضة ذلك للواجب الشرعي على الزوج، وهو معاشرة زوجته بالمعروف، مبيناً أن من صور الإضرار بالزوجة: العضل، وهو حرام؛ لأنه ظلم للمرأة، وإضرار بها، وكلاهما محرم، ولما ورد النهي عن العضل، كما في قوله تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}، وقوله تعالى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، كما لا يحل للزوج الذي اشترط على زوجته عدم الحمل والإنجاب ثم حصل حملها من أن يعضل زوجته بمضارنها، ومنعها حقوقها، وإساءة عشرتها، والتضييق عليها لتفتدي نفسها منه بما أعطاها من مهر أو بعضه، ومن من صور الإضرار بالزوجة: الضرب، أو منعها من حُقوقها من النفقة والقسم.
وكان الدكتور عبدالله بن فهد الحيد حيث استهل بحثه بتعريف مصطلحات البحث وهي: الاشتراط، والإنجاب، ثم تناول في فصله الأول أحكام الشروط في عقد النكاح، وفي الفصل الثاني تحدث عن اشتراط عدم الإنجاب في عقد النكاح من حيث أنواعه، وبواعثه، ومن يقع منه، وتناول في الفصل الثالث الآثار المترتبة على تخلف اشتراط عدم الإنجاب.