يشهد العالم والمنطقة على وجه التحديد أزمات عديدة سياسية واقتصادية، تلقي بثقلها الكبير على صانع القرار السياسي في مختلف الدول، ولهذه الأزمات أيضاً ضريبة يدفعها المواطن والمجتمع بشكل غير مباشر تتمثَّل بالتضخم، وارتفاع الأسعار، بشكل حاد، وعندما تبدأ الحروب ترتفع كلف النقل الجوي والبحري والبري، وتصبح معاناة المواطنين، هدف أي حكومة كانت.
ونحن في المملكة جزء من العالم نتأثر به، ونتفاعل معه، وتنعكس مشكلاته علينا بنسب متفاوتة، لكن ما يلفت الانتباه، هو أن هذه التداعيات السلبية يجري التعامل معها بنجاح من الناحية الاقتصادية، حيث فرضت الدولة قيوداً على رفع الأسعار، إضافة إلى الدعم الإيجابي، الذي يسهم في إضعاف إمكانات رفع الأسعار بشكل خيالي من قِبل تجار الحروب والأزمات.
فالأمن الغذائي يؤكد وجود دور كبير للحكومة في استمرارية الاستقرار الاقتصادي، وهذه الاستمرارية تتحمّلها الدولة من أجل المواطن، لكن هذا لا يعفي المسؤولين والمواطنين على السواء من وضع خطط إستراتيجية لمواجهة أية ظروف طارئة، قد تؤدي الى نقص في السلع الغذائية، فيما على المواطن أيضاً أن يتفاعل وسياسات وإجراءات الحكومة بالحد من الهدر والإسراف، والاستهلاك خلال الفترات الاستثنائية التي تمر بها المنطقة.
فالمملكة تلبي احتياجاتها من السوق العالمي والعربي أيضاً، ولهذا فإن استهداف أي أمة هو استهداف لأمنها الغذائي، وللأمن الغذائي للدول ذات العلاقة بها، وعليه فإن التنوع في العلاقات الاقتصادية الدولية، والحفاظ على علاقات دبلوماسية قوية ومتينة مع دول العالم، جعل وصول المواد الغذائية من هذه الدول للسوق السعودي مستمراً ومتوافراً، خصوصاً أنه يأتي بعد تفاهمات وعقود سابقة من حيث السعر، فيما قد تتأثر الأسعار، بأسعار النقل والتأمين.
والحقيقة المؤلمة أن المملكة ليست مكتفية ذاتياً من معظم السلع الغذائية، وتعاني من ندرة في المياه والأراضي الصالحة للزراعة، وفي الوقت نفسه يتزايد عدد السكان، وبالتالي يزداد الطلب على المواد الغذائية، وترتفع أسعارها، لذا فإن إيجاد المخزون الأستراتيجي الغذائي، كبرنامج احترازي وقائي يهدف من ورائه استحداث نظام آمن ومضمون يكفل تأمين احتياجات جميع المواطنين على مستوى المملكة، في أوقات الأزمات والطوارئ، ويؤدي إلى استمرار تدفق السلع، واستقرار أسعارها، ويحد من ارتفاعها.
ومن الضروري التفكير في استحداث، وإيجاد نظام مخزون إستراتيجي غذائي آمن، من السلع الأساسية مثل (الأرز والقمح والشعير والذرة والحليب وغيرها من السلع الاساسية)، بما يحقق الأمن الغذائي للمملكة، ويحول دون نشوء أزمات غذائية مستقبلاً، خصوصاً في ظل الظروف، والأحداث الطارئة في منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت غير مستقرة اقتصادياً.
نريد مخزوناً إستراتيجياً متخصصاً، يعمل بقواعد مهنية وفنية، ووفق إستراتيجية واضحة المعالم ويُدار بواسطة كوادر وطنية مدربة، ويتم تحديد الحد الأقصى والحد الأدنى للمخزون وفق دراسات متخصصه لجميع المعايير الخاصة بالسلع الغذائية، بحيث يكون لها إطار تنظيمي وقانوني تشارك فيه جميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وبخاصة وزارة الزراعة والتجارة والصناعة والمالية.
ويفترض اختيار مواقع الخزن الإستراتيجي بدقة ومهنية، بحيث تكون ملائمة للتخزين، وملائمة للنقل الآمن والسليم للسلعة حتى تصل المستهلك، إضافة إلى تحديد المواصفات الملائمة لكل سلعة وتشكيل إدارة بحثية تابعة لإدارة الخزن الإستراتيجي تختص بإعداد دراسات المخزون، ومقدار الفائض، والعجز فيه، إضافة إلى دراسة الأسواق المحلية والخارجية، واختيار دول الاستيراد والتخطيط الأمثل لمصادر الإنتاج المحلي والاستيراد الخارجي، وبناء الشراكات الاقتصادية الإستراتيجية مع دول مهمة اقتصادياً وسياسياً لأمن المملكة.
Ahmed9674@hotmail.comمستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية