يتساءل الكثير عن الأسباب التي وضعت المجتمع العربي في ذيل القائمة الأممية فيما يتعلّق بالإنتاج الفكري والإبداعي وفي المساهمة في القيمة المضافة في سلة الإنتاج العالمي.
ويعزو البعض ذلك إلى عدَّة أسباب اقتصاديَّة وتربويَّة وتعليميَّة واجتماعيَّة...الخ.
وفي اعتقادي أننا نغفل سببًا رئيسًا في هذا الصَّدد وهو عدم سلامة أجسامنا الذي أثر سلبًا على قدراتنا الفكرية والإبداعية.
وتشير الدلائل العلميَّة والإحصائيَّة إلى أن دول الخليج على سبيل المثال من أعلى دول العالم في معدلات السمنة وفي أمراض السكري وفي أمراض ضغط الدم وغيرها. ولا يقتصر الأمر في ذلك على كبار السن فقط، بل إن القراءات الإحصائيَّة لصحة شباب المرحلة الثانوية مثيرة للقلق. فإن كنّا ما نزال نؤمن بالحكمة العربيَّة «العقل السليم في الجسم السليم» فهل يعني ذلك أن عقولنا أيْضًا محل نظر؟
كشف المستور
على الرغم من أن حكمة «العقل السليم في الجسم السليم» من أوائل الحكم التي تعلَّمناها في المرحلة الابتدائية إلا أننا لم نكلف أنفسنا عناء العمل بها. وهو أمر غير مستغرب فهي ليست بدعًا من كثير من القيم الدينيَّة والعلميَّة والاجتماعيَّة التي استغنينا بقراءتها عن العمل بها وتطبيقها. ولعلَّنا نحمد الله على الستر فلم تفكر منظمة الصحة العالميَّة في تنفيذ سباق ماراثون عالمي فربما انكشف المستور - ولم تساعدنا أوزاننا ولا القطع الثلاث على رؤوسنا على التقدم ومجارات الصقور- وبقينا في آخر الطابور.
الماراثون
اليوم وقد مضى على إقامة أول سباق للماراثون2500 سنة الذي أقيم تخليدًا لذكرى ذلك الجندي الإغريقي الذي توفي بعد أن قطع مسافة 25 ميلاً جريًا على قدميه دون أيّ توقف لإيصال رسالة إلى أثينا تفيد بانتصار الإغريق على الفرس في المعركة التي دارت بينهما بالقرب من مدينة ماراثون. أقول: إنّه قد حان الوقت لنفكر جديًا في إقامة ماراثون وطني ليس بهدف اختبار قدراتنا الجسمية ولكن لتأصيل رسالة صحيَّة وتوعية اجتماعيَّة متكرِّرة عن أهمية اللياقة البدنية في صحة الأبدان والعقول والحماية من الأمراض وفي تنمية الفكر وتعزيز قدراته وتنمية الإبداع. شأننا في ذلك شأن 800 مدينة في مختلف دول العالم يُقام فيها الماراثون سنويًّا.
ديناصورات العصر
حان الوقت لتسهم الأجهزة التنفيذية وخصوصًا إمارات المناطق وأماناتها في التوعية الاجتماعيَّة ورفع مستوى الوعي الاجتماعي في الأبعاد الصحيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والإبداعية.. حان الوقت لأن تعمل هذه الأجهزة بمنهج المبادرات والشراكة الاجتماعيَّة خارج أسوارها -لا أن تكتفي بالعمل بأسلوب ردود الأفعال- وتسهم بالتنمية الوطنيَّة بمفهومها الشامل تأصيلاً للوطنيَّة ورعاية للأنشطة الاجتماعيَّة وتعزيزًا للوعي المجتمعي. فالوعي الصحي وسلامة الأبدان والعقول على وجه الخصوص ضرورة ومطلب اجتماعي لا خيار فيه للتعايش مع مستجدات المرحلة ومتطلباتها. لن تتمكن أجهزتنا التنفيذية من التعايش مع المستجدات ومتطلبات المرحلة والتسليم بأهمية التطوير إذا استمرت بالعمل وفق أسلوبها التقليدي.
يقول الخبير الإداري المعروف جون كوتر في كتابه قيادة التغيير - الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعًا في الولايات المتحدة - أن المنظمات والأجهزة التي استمرت بالعمل بأسلوب ومنهجية القرن الماضي ستصبح بمثابة ديناصورات هذا القرن.
فهل تعي أجهزتنا التنفيذية ذلك وتحقق تطلعات ولاة الأمر بتطوير أدائها، والاستجابة لمتطلبات العصر وطموح المواطنين؟
والله ولي التوفيق..
@falsultan11