توجد قوانين وطنية وأعراف مهنية تتعلّق بعلاج المرضى، وأهمها حق المريض المواطن في العلاج مما يعني أنه ليس من حق أحد أن يتمنن أو يتفضّل أو يتكرّم عليه بالعلاج. كيف نتفضّل على شخص بحق من حقوقه التي كفلتها له الدولة في نظامها الأساسي. هذا على مستوى القانون العام، أما الأعراف المهنية فأبسطها حق المريض في عدم إفشاء المعلومات المتعلِّقة باسمه وتفاصيل مرضه وصوره وما يتعلَّق بعائلته. ذاك حق كفله النظام وهذا أصل أخلاقي من أصول الممارسة الطبية، فكيف هو الواقع لدينا؟
لقد انتشرت ظاهرة التباهي الإعلامي من قِبل البعض في قضية تبني علاج مريض أو مريضه، حتى لكأن من سيتبنى علاج المريض سيفعل لك من جيبه الخاص بينما الواقع أنه مجرد مسؤول يقوم بعمله الذي من صميمه خدمة ذلك المريض وسواه من المرضى. لقد تجاوز الأمر مجرد بعض الوزراء ومن في حكمهم حتى فعل ذلك مدير الجامعة ومحافظ المحافظة وغيرهم. مشكلة بعض المسؤولين لدينا هي أنهم يفرحون بالأخبار الإعلامية ويستغل بعض الأطباء المولعين بالإعلام وبعض مسؤولي الإعلام نقطة الضعف تلك فيمررون الأخبار التي تمدح معالي الوزير أو معالي المدير.
على سبيل المثال هل يعلم مدير الجامعة بمرضى المستشفى الجامعي أو هل يحتاج المرضى أوامر معاليه ليتعالجوا بالمستشفى الجامعي؟ طبعاً الإجابة لا، ولكن الطبيب المولع بالإعلام والمولع بالدعاية لنفسه لتزداد أسهمه في القطاع الخاص يمرر الأخبار التي تنشر من مكتب معالي المدير فيكون كاسباً لود معاليه وللدعاية المجانية لعيادته. الظاهرة بلغت أوجها مع أوج فصل التوائم والآن نرى بعض الأطباء تتكرر أسماؤهم وكأنهم يحاولون تقليد الظاهرة كطبيب العظام أو طبيب السمنة أو طبيب الأذن اللذين تجد لهم أخبار متكررة حول العمليات التي يجرونها رغم أن هناك مئات الأطباء يجرون عمليات مماثلة وأعقد ولا يتحدثون عن أنفسهم ولا يفشون أسرار ومعلومات مرضاهم.
انظروا صحفنا الورقية والإلكترونية تعج بمناشدات المرضى مع ذكر أسمائهم وحالاتهم وصورهم أحياناً! انظروا كيف تسابق مسؤولي الصحة والإمارة والدفاع المدني وغيرهم للظهور الإعلامي على حساب تفاصيل حياة رهام وماجد ورنا وخالد وغيرهم كثر! أصبح الشارع يعرف تفاصيل حياة بعض المرضى الشخصية والمرضية، دون وجه حق. فقط لأنهم احتاجوا لخدمة صحية هي حق من حقوق من حقوقهم، يفترض أن يحصلوا عليها دون منّة أو تشهير أو استغلال إعلامي ودعائي ممجوج.
للأسف نسي بعض الأطباء ومسؤولي الصحة بأن هناك أخلاقيات مهنية وقانونية تفرض عليهم عدم إفشاء معلومات مرضاهم وأسرارهم وصورهم فأصبحوا يتسابقون بعقد المؤتمرات الصحفية والتصريحات الإعلامية والتسريبات الرسمية وغير الرسمية للإعلام حول مرضاهم، دون أدنى إحساس بأن ذلك يعتبر تجاوزاً أخلاقياً مهنياً. أصبح المسؤول يبحث عن صورة لطفلة مريضة يروّج بها لنفسه حتى ولو كان على حساب تلك الطفلة كما أصبح الطبيب يبحث عن حالة مختلفة يبرزها وتبرزه للإعلام لتزيد مكسبه في العيادة الخاصة وتقرّبه من مديره والمسؤولين. كل ذلك في ظل إعلام تنقصه المعايير الواضحة في هذا الشأن.
اللوم هنا ليس فقط صحياً أو إعلامياً، بل قانوني حينما لا نجد رجال القانون يعملون على مثل هذه التجاوزات تشريعاً ومقاضاةً. لو حصل ذلك في إحدى الدول المتقدِّمة لتنافس المحامون في رفع قضايا على الأطباء لتجاوزهم الأخلاقيات المهنية في التشهير بمرضاهم وما يتعلّق بهم من معلومات.
تلك بدهيات مهنية حتى في مجال النشر العلمي، حيث يمنع التشهير بالاسم والعائلة والصورة وغيرها للمريض. إلا لدى بعض أبطال الإعلام الأطباء السعوديين، فلا تعنيهم المهنية ولا الأخلاقيات الطبية، بقدر ما تعنيهم الدعاية الإعلامية والمكاسب الناتجة عنها!
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm