ماذا لو أتى رجل من جنسية أمريكية أو أوروبية في بلاده، وأمر امرأة مسلمة بنزع الحجاب الذي يتعارض مع دين وعادات وتقاليد بلاده؟ هذا بالضبط ما حدث مع المرأة الأميركية التي واجهت رجلاً «متطفلاً» في مطار الملك خالد الدولي، وأمرها بتغطية شعرها، وهو ممتلئ بشعور الوصاية وامتلاكه للحقيقة المطلقة!
المفارقة أنه وقبل نشر هذا الخبر بيوم واحد، كنت في أحد صيدليات الرياض، وتتواجد ممرضة اتضح لي من لهجتها أنها بريطانية، كانت ترتدي زي التمريض دون أن تضع حجابًا على رأسها، المثير هو ردة فعل أحد المتواجدين بالصيدلية وهو رجل في سن الشباب، لا يزيح نظره عن كل امرأة أمامه ويوزع الابتسامات على النساء وهو يتلفّت يمنة ويسرة، فإذا به وبصوت مرتفع يسأل الصيدلي: «وش ذي اللي ما عليها عباية وين راعيها يضفها؟!»، يتضح من جملته أنه نشأ وفق منهج فكري ينظر أن المرأة عبارة عن شيء مملوك، لذا هو يسأل عن مالكها بشكل تلقائي وطبيعي ودون أن يشعر بالحرج، بينما الصيدلي المؤدب وهو من جنسية عربية، لم يرد عليه وتجاهله تمامًا، لأنه بالتأكيد تربى في بيئة لا تتيح له التدخل بشؤون الآخرين، أو النظر بدونية للنساء، وهو إنسان يركز في عمله ولا شيء غيره!
لو قارنا هذا المشهد وتخيلنا أن يحدث في فرنسا التي منعت «النقاب» بشكل رسمي، فهل من حق أي مواطن فرنسي أن يأتي لامرأة منقبة ويأمرها بنزع النقاب، وهل هذا الحق يدخل في تخصص رجال الأمن الفرنسي؟ لو أن شخصًا عاديًا تجرأ على منقبة فمن حقها أن تشتكيه وسيقوم القانون بإدانته، لأنه ليس مخولاً بالتدخل في خصوصيات الآخرين، حتى وإن كانت المرأة التي تضع النقاب قد خالفت القوانين. وكذلك رجل الأمن ليس من حقه أن يأمر المرأة المنقبة بهذا، وحدود صلاحياته هو كتابة غرامة مالية لأنها قامت بمخالفة الأنظمة..
أما لدينا فقد يكون أصغر طفل يملك الحق بالصراخ الذي قد يصل إلى مد اليد والضرب لمن يخالف الأنظمة المزاجية وغير المكتوبة، إنما هي أنظمة أعراف وتقاليد، وما تلك القصص الشهيرة التي قام فيها رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضرب الناس الذي وصل -أحيانًا- إلى القتل، إلا شاهدًا على ما أردت قوله من خلال تلك المقارنة! إن ثقافة الوصاية التي تستشري ولا تتقلص داخل هذا المجتمع، هي نتيجة طبيعية لتعدد تأويل الأوامر الإلهية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الفهم المغلوط هو ما جعل كل شخص وخصوصًا (الرجل) يتدخل بخصوصيات الآخرين، ويحدد لهم أشكالهم وطرائق حياتهم.
إذ عُرف الأمر والنهي في بداية نشأة الإسلام بمحاربة الغش والكذب والتزوير، بينما في عصرنا هذا صار الأمر والنهي مرتكزًا على اللبس والشكل الخارجي! إن أنماط السلوك المختلفة التي نراها في الشارع وفي المواقع العامة، تكاد تكون متشابهة بين المجتمعات، وهي التي تحدد هويتها، إن سكوتنا على هوية فكرية مثقوبة، واستسلامنا لهذا الواقع سيرسخ مستقبلاً إشكاليات سلوكية أكثر تعقيدًا ولن نفرح كثيرًا بالانفتاح العلمي والتطور المعرفي، لأنه لن يأخذ موقعه المنشود والثقب الفكري يتجه نحو الاتساع!
www.salmogren.net