هذا الطرح سأعتبره رسالة موجَّهة إلى كل رب منزل، وكل ربة منزل، ممن يحتاجون إلى استقدام العمالة في بلادنا الغالية؛ لأنني سأسلِّط الضوء على قوم يأتون من شتى أصقاع الأرض، من جنسيات تختلف لغاتها وعاداتها وتقاليدها وأديانها عنا، إنهم خدم المنازل من السائقين والعاملات المنزليات وسائر المهن التي تُستقدم العمالة المنزلية من أجلها.
يُثار إعلامياً بين الحين والآخر أن أحد العاملات منزليات أو السائقين قد اقترف جريمة قتل أو اغتصاب أو سرقة، وتهز تلك الجريمة المجتمع، وتكون حديث الناس بعدما يبرز الإعلام فقراتها العدوانية التي أدت إلى ارتكاب الجريمة، والتي غالباً ما يدان فيها سائق أو عاملة منزلية. ومما لدي من معلومات متواضعة عما سبق أن أشرت إليه أود أن أقول للناس: تجردوا من العاطفة والاتكالية، ولا تستعبدوا الخدم، وعاملوهم كما تحبون أن يعاملوكم به «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، و»ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». إذا أردت أن تُطاع فاطلب ما يُستطاع. حدثني أحد الأصدقاء أنه يعرف شخصاً استقدم سائقاً من شرق آسيا، وعند وصول ذلك السائق المسكين إذا بجدول المهام الصعبة قد تم ترتيبه له بشكل يمنعه من الراحة المبدئية؛ بسبب كثرة الأعمال المناطة به؛ لأنه يقوم بتوصيل معاق للعمل، ويقوم بإرجاعه للمنزل، ومسؤول عن إيصال طفلين ابنَي أخت الكفيل، ويقوم بمساعدة رجل طاعن في السن لإيصاله للمسجد، وفوق كل ذلك مسؤول عن نظافة فناء المنزل وغسل مجموعة من السيارات.. فلو أن هذا الشخص آلة حديدية لتعرضت للتلف، فيا ليته مع كل تلك المشاق يسلم من الاستفزاز واللوم الذي يصله برفع الصوت والصراخ في وجهه! ما من شك أن كل تلك الأعمال لا يمكن تحملها، وكل فقراتها تؤدي للشحن النفسي والاستعداد للجريمة، خاصة إذا خُتمت تلك المسرحية بتأخير الراتب!
إنني أعرف أن مجموعة من السائقين قد سُلّمت لهم سيارات فارهة، يقودونها بسرعات جنونية، وعند وقوفهم الطويل عند المدارس يتركونها في وضع التشغيل مع تشغيل المكيف والنوم داخل السيارة، مع العلم أن ذلك الإجراء يؤدي إلى إتلاف محرك السيارة في وقت قصير حتى لو أنها جديدة. إن التعامل الحسن مع السائق يمنعه من التفكير في أسلوب الانتقام، ويشجعه على المحافظة على كل ما يؤتمن عليه.
من الصعب إيضاح مشاكل الخدم من خلال مقال كهذا؛ لأن مشاكلهم تأتي تباعاً، وتنتج من التعامل اللا إنساني من قِبل الكفلاء والكفيلات.
لقد فرضت الظروف الصحية على بعض أفراد الأسر أن يحتاجوا إلى من يرعاهم في الخدمات المنزلية، إلا أن البعض الآخر من الناس يستقدم العاملات للتباهي أمام أقاربه والناس، ومن المؤسف حقاً أن الاتكالية قد انتشرت بين النساء مخلوطة بحب التباهي بكثرة الخادمات، إلى درجة أن مرض السمنة استشرى في معظم النساء بسبب قلة الحركة والكسل والعزوف عن الأعمال المنزلية. ومن الأعمال التي تُسند للعاملات غسل الأطباق في المطبخ، والكنس الآلي واليدوي، وترتيب الغرف، وغسل الملابس وكيها، والعناية بالرضع من الأطفال، وأحياناً تُستفز العاملة باستدعائها آخر الليل لأداء مهمة بسيطة.. فما من شك أنه لا يمكن مقارنة الخدم بعضهم ببعض؛ لأن كل جنسية لها أسلوبها الخاص في التعامل وتأدية الخدمات.
شيء مؤكد هو أنه توجد مجموعة من النساء المستقدمات من إفريقيا في مستشفى الأمراض النفسية؛ فلماذا نضيع عليهم الأموال في تكاليف الاستقدام وتذاكر السفر؟ وعلى من تقع مسؤولية تلك التصرفات؟ ما أود أن أصل إليه هو أن جميع المستقدمين من العمالة المنزلية بشر؛ لهم حقوق، وعليهم حقوق، وما من شك أن الظروف حكمت عليهم بالغربة والبُعد عن ذويهم، فقبل أن نلقي باللوم عليهم لماذا لا نحاسب أنفسنا؟ هل حققنا لهم أبسط حقوقهم، مثل إعطاء الرواتب في وقتها، وتأمين الغذاء والمسكن المناسب، والتعامل الحسن بصفة مستمرة؟..
وكل ما سبق سرده لا يمنع من اتباع الاحتياطات الوقائية لمنع حدوث الجريمة «اعقلها وتوكل».
يجب أن نعتبر الخادمة في بعض المنازل بمنزلة السجينة بموجب عقد مبرم مع مكتب الاستقدام؛ لأن كفيلها لا يسمح لها بالخروج من المنزل.
أخي رب المنزل، أختي ربة المنزل، من غير المستبعد أن الخادمات يتعرضن للتحرش الجنسي، خاصة في بعض المنازل أو لدى الأسر التي لديها مراهقون، وقد يتعرضون للاغتصاب.. إننا نجني على أنفسنا؛ لأن أبواب المنزل كلها مشرعة أمام الخدم، يدخلون كل مكان في المنزل من دون تحفظ بحجة الخدمة، ويجدون أمامهم أناساً نائمين، وجيوبهم مليئة بالنقود، وطبعاً «المال السايب يعلم السرقة»، كما أنهم يجدون مصاغ النساء منثوراً في أرجاء غرف النوم بسبب عدم اهتمام صاحباته؛ ما يسهّل عليهم اختلاسه. إن التفريط والثقة الزائدة لهما ثمن باهظ جداً.
وأخيراً، من أسباب إقدام العمالة المنزلية على ارتكاب الجرائم ما يأتي:
1 - الشعور بالقهر في أسلوب التعامل الجاف.
2 - التعدي بالضرب على الخادمة.
3 - تأخير الرواتب لمدد طويلة، فالذي يولد اليأس لدى المستخدم شعوره بأنه لن يحصل على حقوقه.
4 - تكليف الخادمة فوق طاقتها من الأعمال، والإصرار على إنجازها في وقت قياسي، وعدم تمكينها من أخذ وقت كاف من الراحة.
5 - الشعور بالتعالي في توجيه الخدم يؤدي إلى تراكمات خطيرة، تؤدي إلى الشعور بالانتقام العنيف من قبل المستخدم.
يمكن القول إن العمالة شرٌّ لا بد منه، ويجب التعامل معهم بحذر شديد.
ختاماً، توجد شركات مهامها تأجير عمالة المنازل من سائقين وعاملات، ولكن تلك الشركات تتعامل بأسلوب (حامو رابي)؛ لأنها تطلب رواتب عالية للعاملين، ويُكتب على طالبي العمالة عقود، بنودها في صالح الشركة، فهل من نظام يكفل حقوق الناس، ويكفل حقوق المكفولين؟
حمانا الله وإياكم من المشاكل، صغيرها وكبيرها.
- إبراهيم بن محمد السياري