يبدأ السائح متعته السياحية من المطار، الذي يمكن أن يكون أحد عناصر الرفاهية السياحية، وربما يتحول إلى أداة لوأد المتعة السياحية.
ولعل أول ما يصادف المسافر في سياحته الجوية منشأة المطار، وأول ما يلاقيه في المطار بعد إنهاء إجراءات الركوب صالة الانتظار. ولقد لفت نظري التطور الذي يشهده مطار الملك خالد الدولي بالرياض، على أنني كنتُ في رحلة سياحية إلى الخارج، غير أن ما لمسته من تغيّر في المطار نحو الأفضل وبخاصة في صالات الانتظار كان دافعاً لي لكتابة هذه المقالة التي أرجو أن تكون منصفةً، ذلك أن النقل بعامة واحد من أهم أركان السياحة التي وردت في كتاب «صناعة السياحة» للدكتور أحمد محمود مَقابلة.
خلال مدة ليست بالطويلة استطعتُ تلمّس التطور الذي تمر به صالات الانتظار في مطار الملك خالد الدولي، وهي محور هذه المقالة، ابتداءً من كراسي الانتظار التي استُبدِل بها نوعٌ أجود مكسوٌّ بالجلد، بعد أن كانت كراسيَ حديديةً، وهو ما يجعل المستخدم لها يشعر بارتياح أكثر، إضافة إلى امتلاء صالات الانتظار بالمطاعم والمقاهي التي تساعد المسافر على قطع وقت الانتظار بشيء من الرفاهية، وإن كانت أسعارها مبالغاً فيها، يضاف إلى ذلك محالّ التسوق، وهي من أساسات المرافق التي لا بد من وجودها في المطار كما تذكر الدكتورة ردينة عثمان يوسف في كتابها «إدارة خدمات النقل الجوي»، بل من أهم الاعتبارات التصميمية فيها ويمكن من خلالها أن تتحول الصالة إلى مركز تجاري ومكان للترفيه بحسب ما ورد في «تصميم المطارات ومباني الركاب» للمهندس محمد ماجد خلوصي. كما أن توافر قوابس كهربائية (أفياش) منتشرة في الصالات يستطيع من خلالها المسافرون أن يشحنوا جوالاتهم وأجهزتهم الذكية التي يتصفحون من خلالها مواقع الشبكة العنكبوتية، أسهم في تمكينهم من استهلاك الوقت، كما أن إيجاد المصليات جعل المسافر يشعر باهتمام اللجنة الإشرافية لتطوير مطار الملك خالد باكتمال جوانب التطوير.
والنقطة الأبرز التي لا بد من الإشادة بها في هذه الأسطر هي التعاون بين إدارة المطارات ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة الذي تجسد في مشروع أركان القراءة في المطارات، وتزويدها بكتب متاحة للاطلاع، وقد سرد الدكتور هباس الحربي في «التسويق السياحي في المنشآت السياحية» عدداً من عناصر الجذب السياحي، ومنها الأدب واللغة. فكيف إذا كانت هذه الكتب متاحة للاطلاع مجاناً؟ إن هذا التعاون كفيل بأن يجعل من ثقافة القراءة عادةً واسعة الانتشار، وبديلاً مميزاً لوسائل تقطيع الوقت، وأن تتحول معه متعة الانتظار إلى تجربة ثرية تجمع بين الإمتاع والتثقيف، وهو ما يزيد الوعي الثقافي لدى المواطنين، ويجمع بين التنمية السياحية والتنمية الثقافية - كما يقول الدكتور أحمد مَقابلة.
ومما يستحق الإشارة في هذا الصدد تلك الابتسامة الجميلة التي ترتسم على وجوه موظفي جوازات المطار، ولباقة عباراتهم عند استقبال المسافرين وتوديعهم، وملاطفتهم للأطفال، وسرعة إنهائهم للإجراءات، وهو أمر يُحمد لهم، وليس بمستغرب عليهم، فهم أبناء هذا المجتمع النبيل الذين تعلموا أنّ تبسُّم المرء في وجه أخيه صدقة.
إن هذا التحسن في خدمات الصالات - وإن جاء متأخراً - يملي عليّ شكر اللجنة الإشرافية لتطوير المطار على هذه الإنجازات، وأنا على يقين من إدراك اللجنة أن هذا ليس إلا أول المطاف، وأن الطريق إلى رفع مستوى المطار إلى المستوى الذي يليق بسمعة المملكة ما زال طويلاً وبحاجة إلى تسريع عملية التطوير، إلا أنّ وعيهم لهذا الأمر هو أول خطوات التطوير التي لن تسير بشكل رتيب إن شاء الله. والله الموفق.