لكم أتمنى أن أكون مخطئاً، على أن الحرص خير من الندم، إلا أن الموقف الغربي تجاه المنطقة العربية، وخاصة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، قد شابه الغموض خلال فترة الأشهر الثلاثة الماضية وتحديداً منذ الموجة الثانية لثورة مصر، فقد بدأ بحالة ذهول أدى إلى تردد وارتباك بيّنين، فحالة غضب قُوبلت باحتجاج ورفض حازمين، ثم حالة صمت مريب تبعه حالة تحمُّس وإثارة، كمن وجد ضالته، وتناقضت خلالها تصريحات المسئولين الأمريكيين سواء في السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية، فكيف يفسر ذلك؟
الله أعلم أن أمراً جللاً يُدبر للمنطقة العربية، ولعلِّي أبدأ بسرد النتائج النهائية لهذا التدبير، فأهداف الدسيسة، فالذريعة للقيام بها، ثم عرض الدلائل على المخطط وما الذي أثاره في هذا الوقت بالذات.
تتلخص نتائج العمل الذي يدبّر له - كما يبدو لي - في الآتي:
1- أن توضع إيران في مواجهة مباشرة مع ألد خصومها على حدود برِّية إضافة إلى الحدود البحرية على طول الخليج العربي، وذلك لخوض مناوشات وربما حروب بالوكالة عن الكيان المعتدي والمحتل الغاشم، ومن مؤشرات التقارب الإيراني - الغربي، اعتراف رئيس إيران المنتخب مؤخراً بالهلوكوست ومظاهر التغاضي الأمريكي عن برنامج إيران النووي.
2- أن يتخلص الكيان المعتدي من صداع عملية السلام نهائياً، ومن المؤشرات على ذلك أنه تم تحريكها عند بدء ثورات الشعوب في عدد من الدول العربية، تلا ذلك شبه انصراف عنها، ثم عودة قوية لبحث الأمر بعد الموجة الثانية لثورة شعب مصر، والآن توقف الحديث تماماً بشأنها.
3- وضع الأردن بين فكي كماشة، وليس بعد الأردن إلا شبه الجزيرة العربية.
أما بالنسبة لأهداف هذه الدسيسة، فتشمل الآتي: ضمان أمن الكيان الغاشم وهو الأمر الذي ليس قبله أمر أو تعلوه أولوية لدى الإدارة الأمريكية، ويليه الاستمرار في استنزاف ثروات ومقدرات المنطقة العربية، ولا ضير من زيادة إحباط شعوب العربية واستسلامها لليأس بعد بوادر التفاؤل بمستقبل أفضل للمنطقة.
أما الذريعة الهزيلة والبائسة في ذات الوقت، التي ستستثمرها الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ هذا التدبير، فهي التدخل العسكري في سوريا لمعاقبة نظامها الحاكم على أعماله الوحشية ضد معظم الشعب السوري الذي يعارضه، أما ما يصعب فهمه هو: كيف أن العقاب الرادع لضمان عدم استخدام الأسلحة المحظورة ضد العزّل والأطفال والشيوخ له علاقة بالمصالح الأمريكية العليا؟ وما علاقة العملية المحددة بضرورة الإنزال والانتشار العسكري على الأرض؟ وما علاقة أن العملية العسكرية التي لا تهدف لإسقاط النظام تستدعي توسيع الضربات العسكرية؟ وغير ذلك مما يدعو إلى الحيرة والارتياب، خاصة وأن الأمر بكامله مبني على «معلومات استخباراتية حساسة» لا يمكن الإفصاح عنها ولا عن مصدرها للعموم.
أما الدلائل على هذا المخطط فتبدأ بكشف العلاقة بين إيران والكيان المعتدي والولايات المتحدة الأمريكية، والتي أوضح أبعادها المؤلف الإيراني الأصل تريت بارسس (Trita Parsi) في كتابه التحالف الخائن: الصفقات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية (Treacherous Alliance The Secret Dealing of Israel, Iran, and the United States) الصادر عام (2007)، والذي استند إليه الدكتور سعد بن عبد القادر القويعي في مقاله بعنوان «خريطة إيران الكبرى .. ترسمها الفضائح» المنشور في صحيفة الجزيرة بتاريخ 28/ 2/ 2009م، كما استند فيه على تصريحات كل من الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وكذلك الجنرال جون كارادوك من قيادة الحلف.
إنّ مؤدى مخطط إيران الكبرى هو توسيع نفوذها شرقاً ليشمل بلاد القوقاز وأفغانستان وباكستان وآسيا الصغرى، بما يخدم مصالح الحلف وبدعم من تحالفها الخائن، ويلاحظ أنه حينها لم يكن هناك تهديد لأمن الكيان الغاشم، أما وقد كُشف التحالف الخائن والأهم أنه تم تهديد أمن الكيان المعتدي ما أجبر الإدارة الأمريكية (وكيلة أعمال كيان الدسائس) على اتخاذ موقف دفاعي منذ 30 يوليو، فقد حان وقت حسم الأمور بشكل نهائي من خلال إعادة توجيه بوصلة النفوذ الإيراني غرباً، ليكون للفقيه والٍ على العراق وآخر على الشام الذي لا تتضمّن حدوده الجولان ولا البقاع ولا مزارع شبعا وغيرها، مما يحقق أطماع الكيان المعتدي التي لا يبدو لها حدود، فتُلقن المنطقة العربية درساً قاسياً على فعلتها، وتُنزل بتركيا أقصى عقوبة على فشلها في تنفيذ المخطط الإخواني الذي كانت ترتب له الإدارة الأمريكية بالوكالة عن الكيان الغاشم.
لقد تنبّهت دول مجلس التعاون للخطر الإيراني بطرح فكرة تحويل المجلس إلى كونفدرالية خليجية لمواجهة الأطماع الإيرانية، وفقاً لما نشرته صحيفة «السياسة» الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 12 ابريل 2011م، إلا أن الأمر أخطر، ولا أتمنى ألا نعي دروس التاريخ ونغمة الإدارة الأمريكية بأنها الناصح الأمين في مخطط مكشوف لكل عاقل، فقد هدد الرئيس الأمريكي جونسون بالتدخل العسكري ضد مصر فيما لو نفذت عملية «فجر» بتاريخ 26/ 27 مايو 1967م ووعد بالتفاوض حول تسوية للنزاع القائم، وما كان لذلك الوعد أن يُنفذ وإلا لما طلب من خصمه اللدود كوسيجين إبلاغ تلك الرسالة، فما كان إلا تنفيذ العملية الغاشمة التي تم الإعداد والتدرُّب عليها (16) عاماً بعد عشرة أيام فقط من التدخل الأمريكي لإيقاف «فجر».
فكيف سيكون التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، أو التهديد به؟ وهل سيكون كما حصل مع مصر؟ وهل ستكون الحجة أنّ الأمور لم تتم حسب ما أُعلن عنه من خطط وأنها خرجت عن السيطرة؟ وهل سيتم الاحتفال بمرور (12) عاماً على أحداث سبتمبر بطريقة مختلفة هذا العام؟