علم من الأعلام غيب في الثرى
فثوى رهين جنادل وتراب
جبلت النفوس البشرية على الحب والاستئناس بذكر من لهم دور فاعل في الحياة على أي مستوى سواء العلماء منهم أو العاملين منهم في شتى جوانب الميادين العامة والخاصة النافعة لبني الإنسان كل في مجاله، ولاسيما من يتصف بالتواضع واحترام غيره، وتسهيل أمورهم بيسر وسهولة - فخير الناس أنفعهم للناس - وهذه الصفات الحميدة من الصفات التي كان يتحلى بها - أبو عبدالمحسن - معالي الدكتور الشيخ الفاضل عبدالملك بن عبدالله بن عمر بن دهيش الذي انتقل الى رحمة الله ليلة الجمعة الموافق 23/10/1434هـ، وصلي عليه بالمسجد الحرام بمكة المكرمة عقب صلاة الجمعة، وووري جثمانه الطاهر بمقابر العدل، وقد حباه المولى بسطة في العلم والجسم، وسعة أفق ورحابة صدر، أذكر جيدا أن باب مكتبه يظل مفتوحا أمام المراجعين مراعاة لأحوالهم وظروفهم في - غالب الأحوال - أثناء عمله رئيسا لتعليم البنات:
إذا جئته لم تلق من دون بابه
حجابا ولم تدخل عليه بشافع!
فهو - رحمه الله - صاحب قرارات فورية يسير أعماله بيسر ومرونة، يحاول بقدر المستطاع إنجاز مطالب المراجعين عامة وخاصة القادمين من جوانب المملكة الرحبة، ولقد ولد - رحمه الله - في مدينة حائل عام 1360هـ، ونشأ في بيت والده الشيخ العالم الجليل نشأة علمية، فكان ملازما له منذ صغره، ويحضر دروسه وحلقات العلم التي كان يعقدها في المسجد وبمنزله، - رحمهما الله - وكانت تلك الفترة المبكرة في حياته سببا قويا في بناء شخصيته وثقته بنفسه لما يراه، وتلتقطه مسامعه بما يدور في تلك المجالس مجالس العلماء والفقهاء من أحاديث وعلوم وحكم، فمستودع ذاكرته في ذاك الحين واسع يستوعب ما أودع فيه مخزون علمي، فقد نما في نفسه حب التطلع في مزاولة الأعمال المشرفة في قابل حياته، فملازمته العلماء الأخيار أهلته لما تطمح إليه نفسه في تحقيقه:
عليك بأرباب الصدور فمن غدا
مضافا لأرباب الصدور تصدرا!
وقد تلقى بداية تعليمه في المدارس الابتدائية بالأحساء وبالخبر، ثم بالمدرسة الرحمانية بمكة المكرمة، حيث نال الشهادة بها عام 1372هـ، وأنهى الدراسة المتوسطة والثانوية في المعهد العلمي السعودي عام 1377هـ، ثم حصل على البكالوريوس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة عام 1382هـ، ونال درجة الماجستير عام 1409هـ، ثم حصل على درجة الدكتوراه عام 1421هـ، وقد درس على والده الشيخ العلامة عبدالله بن عمر بن دهيش، ودرس على الشيخ عبدالله خياط إمام المسجد الحرام - آنذاك - وعلى فضيلة الشيخ يحيى أمان، مساعد المحكمة الكبرى بمكة المشرفة، وعلى عدد من علماء المسجد الحرام، ثم عين ملازما قضائيا، ثم قاضيا، فمساعدا لرئيس المحكمة الكبرى بمكة المكرمة، بعد ذلك عين نائبا للرئيس العام لشؤون الحرم النبوي الشريف بالمرتبة الممتازة، ثم عين رئيسا عاما لتعليم البنات بمرتبة وزير، فهو يقفز من قمة الى قمة أعلى، وهكذا قضى حياته العملية المشرفة عالي القامة بكل جد وإخلاص بتاريخ 2/3/1416هـ تاركا ذكرا حسنا وسيرة معطرة بالثناء والدعاء له بسعادة الدارين، وقد طوق أعناق الكثير بأفضاله وبمساعداته لهم العامة والخاصة...، ومن كانت هذه صفته استعذب الناس ذكره، كما أن له نشاطات في التأليف وفي تحقيق الكثير من الكتب الهامة النفيسة، منها: توثيق تأريخ مكة المكرمة وغير ذلك من الكتب والمخطوطات النادرة، فهو يطيل التأمل وتسريح النظر في بطون كتب المخطوطات ليستخلص من حواشيها درر المعاني وفوائدها وتهيئتها للطباعة والنشر لتعم الفائدة منها، فقلمه الجميل دوما شاكيا قبضة أنامله عليه، فهو معني بحفظ الوقت واستغلاله فيما ينفع:
وما من كاتب إلا سيبلى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه!
كما أن من محاسنه التوسع في نشر التعليم في المناطق والمحافظات، وخاصة في التعليم الجامعي حيث افتتح الكثير من الكليات المتوسطة لتعليم الطالبات في عدد من المدن والمحافظات، كما عين الكثير من طالبات التوظيف على عدد من البنود، وكان حريصاً على فتح المجال للاستفادة من حافلات الرئاسة العامة لتعليم البنات في مواسم الحج بتأجيرها على بعض الشركات المتخصصة لنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة، والاستفادة من الإيجارات العائدة منها لشراء بعض الحافلات وصيانة حافلات الرئاسة، فهو يقوم بدور المصلحين المخلصين، وعلى أي حال فإن حياة معالي الشيخ عبدالملك بن دهيش «أبو عبدالمحسن» حافلة بالأعمال المتعددة الجليلة، كافلة له حسن الثناء والدعاء له بطيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق من مضاجعهم، ويحسن بي أن أختتم هذا التأبين الموجز بهذا البيت الذي كثيراً ما أستشهد به:
تولى وأبقى بيننا طيب ذكره
كباقي ضياء الشمس حين تغيب!
تغمده الله بواسع رحمته وألهم أبناءه وبناته وعقيلته، وأسرته بمكة المكرمة والرياض ومرات، والمنطقة الشرقية ومحبيه الصبر والسلوان.
حريملاء - 0115260802 فاكس