* * لم ينوِ فلم يخطط لكن زميله في معهد الإدارة وقتها يحيى الحكمي أحضر له الاستمارة وطلب تعبئتها فلا التزام ولا إلزام وحوت معلوماتٍ سريعةً عن اسمه وتأهيله وعنوانه وتوقيعه حملها يحيى معه ثم أُنسيَها حتى تلقى اتصالاً هاتفيًا طلب منه الحضورَ لإجراء اختبارٍ صوتي مع مجموعة كبيرة من المتقدمين؛ قيل إن عددهم سبعُ مئة ومن قدم الاختبار ثلاثُ مئة ومن اجتازه اثنا عشر وجد اسمه بينهم في ربيع عام 1985م (رمضان 1405) منشورًا على صفحة الجزيرة الأخيرة مطلوبًا مراجعتهم للإذاعة لبدء التدريب، ويذكر أنه لم يُقبل منهم إلا ثلاثة ولم يواصل سوى اثنين قدّما البرامج والمواجز والربطَ ونشرات الأخبار (الصديق اللامع الأستاذ حمد الدريهم معد برنامج «نورٌ على الدرب» وصاحبُكم).
* * زمنٌ لن يعود؛ فقد كان الدخول للإذاعة عمليةً إداريةً شاقةً تبعها تدريبٌ مكثفٌ اتفق -لحسن حظه - أن كان مع الإذاعيين الكبيرين إبراهيم الذهبي وعبدالملك عبدالرحيم -رحمهما الله- بإشرافٍ حازمٍ من كبير المذيعين حينها الأستاذ صالح السويدان -حفظه الله- أذنوا له بعدها بمرافقة المذيعين داخل الاستوديوهات دون ظهور صوته ثم بتقديم بعض الفقرات من نمط «استمعتُم.. تستمعون» وكلفوه إثرها مذيعَ فترةٍ في إذاعة القرآن الكريم فإذاعة البرنامج العام وقرأ المواجزَ لاحقًا ثم النشرات التي كانت محصورةً بعددٍ محدودٍ من المذيعين تتطلب عملَ تجربةٍ صوتيةٍ أخرى يذكر أنه رفض إجراءَها لعدم اقتناعه بمبرراتها لكن غياب مذيع نشرة معتمدٍ وعلمه في الدقيقة الأخيرة وقراءَته لها على الهواء من غير تحضيرٍ أو استعداد جعل المسؤولين يعدونها تجربةً معتمدةً ويضيفون اسمه لقارئيها «عام 1989 م « أي بعد أربعة أعوامٍ من بدء تعاونه الإذاعي.
* * في البث المسجل لم يكن الأمرُ بهذه الصعوبة فقد ابتدأ بتقديم فقرات من برنامج «نسيم الصباح» الذي كنا نسجله السادسةَ مساءً ليذاع في صبيحة اليوم التالي بعد نشرة السابعة وجولة الصحافة المحلية، كما كُلف مبكرًا - لمعرفته باللغة الإنجليزية- بتقديم برنامج» العرب في الصحافة العالمية» مرافقًا أستاذه الكبير إبراهيم الذهبي غفر الله له ثم منفردًا به، كما قدم برامج أخرى مثل: قصة الأدب في العالم وسهرة خليجية ودائرة الإعلام ودوحة الأدب وقناديل وسواها لكن برنامجه الأثير الذي ارتبط به يوميًا على مدى عشرة أعوامٍ تقريبًا وخلف فيه الإذاعيَّ الكبير سيد سالم هو «طائر المساء» مع الفريق الجميل: محمد الخنيني إعدادًا وبدور إسماعيل مشاركةً في التقديم ونجاح أبا الخيل إخراجًا، ولن ينسى ذكرياته المضيئةَ مع هؤلاء الرائعين.
* * لم يكن البث المباشرُ متاحًا ولا مباحًا عدا النشرات وما في حكمها حتى إذا جاء حدثُ غزو الكويت 1990 م بدأ البرنامج الذائعُ حينها «مع الأحداث» وكوّن مع صديق عمره الذي افتقده مبكرًا خالد البنيان (توفي رحمه الله في حادث سير عام 2000م) ثنائيًا ندر أن يتكرر وتواصلنا مع أبرز مثقفي العالم العربي تحشيدًا وتأييدًا لمواقف المنصفين للحق والمنتصفين من الظلم، وكنا نبدأ عملنا مساءً ونستمر إلى ما بعد منتصف الليل ثم صدر قرارٌ «تراجعيٌ» بتسجيله وإلغاء بثه على الهواء، كما شارك في تقديم نشرات أخبار استثنائية حين امتدَّ البث «مؤقتًا» على مدى الساعة لمواكبة الحدث الجلل ومنها نشرة الثالثة فجرًا خلال بدء المعركة وتوالي سقوط الصواريخ على الرياض إذ ذاك، ويذكر أنه لا يكاد يعود إلى منزله حتى يغادر إلى مكتبه في معهد الإدارة صباحًا والجزيرة عصرًا دون أن يُخلَّ بدقيقةَ دوامٍ هنا أو التزامٍ هناك، وهذا من فضل الله وتيسيره، وربما ظن بعضٌ أن ثمة عائدًا ماديًا مجزيًا وللإشارة فقط فمكافأة حلقة من طائر المساء ثلاثون ريالاً والنشرة بخمسين ريالاً فقط!! لكنها الرغبةُ الصادقةُ في العمل الإذاعي لذات العمل لا أكثر.
* * وجد في الإذاعةِ جوًا لتنمية هوايته الإذاعية التي رافقته في مرحلته المبكرة بالمعهد العلمي والمركز الصيفي وناديي النجمة والعربي، وسعد بمعرفة كبارٍ طالما أعجب بهم فتتلمذ عليهم وما يزال ممتنًا لهم، وحين أحس بالتعب من الركض أبلغ مسؤولي الإذاعة حينها برغبته في التوقف عن التعاون وكان ذلك عام 1995 م لكنه بقي مذيعًا لنشرةٍ أو اثنتين أسبوعيًا، وحين حلَّ عامُ 2000 م قرر مغادرة الإذاعة بشكلٍ نهائي ولم يعد إليها بالرغم من حنينه لزمنها المضيءِ المضيف وبالرغم من توالي دعوته للمشاركة في الإعداد على الأقل.
* * خمسة عشر عامًا يدين لها فقد أعطته الكثيرَ من الحب والخبرةِ والمعرفة والصداقات المشرقة وتوازت مع عمله الصحفي الثقافي والأكاديمي الإداري فأكملت دائرةً إعلاميةً حياتيةً لا تتوافرُ للكثيرين، وخلت- بفضل الله- من الإشكالات وإن امتلأت بالمواقف والمفارقات.
* * تزامنت فترة تعاونه الإذاعي مع إدارات ورياسات الدكاترة والأساتذة: علي الخضيري ومحمد المنصور وعايض الردادي حفظهم الله وراشد الدريهم -رحمه الله- وفي قسم المذيعين مع صالح السويدان وبكر باخيضر وحسن التركي وغالب كامل وسليمان العيدي وفي إدارة الأخبار مع النبيل أبي نبيل عبدالرحمن الزامل غفر الله له وفي الأقسام الأخرى مع عبد المحسن الخلف وحمد الصبي وتركي التركي وحمد التخيفي وعبدالرحمن الأحمدي وحمد الهاجري وسليمان الصويان وزكريا شمس الدين -رحمه الله- وحفظ من بقي ومتعهم بالصحة والسعادة.
* * يعتذر عمّن وعمّا تجاوزته الذاكرةُ غير العذراء إذ لا تُختصر سنواتُ العطاء بزاويةٍ أو مقال غير أنها مشاركة وفاء بطلبٍ من الصديق الدكتور عبدالله الحيدري بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس هذه الإذاعة التي يحتفل بها نادي الرياض الأدبي الليلة؛ فلعل ما قيل ويقال وكُتب ويكتبُ كافٍ للمقارنة مع ما نشهده اليوم في الإذاعات التجارية من استسهالٍ قفز على مركبه عابرون وفي الإذاعات الرسمية من تنازلٍ ملأ فراغَه مجتهدون، وتوارت اللغةُ القويةُ والتمكنُ الإلقائيُّ إلا قليلاً وهو ما جعل كثيرًا من المستمعين عازفين عن المتابعة وسط التنافس الشرس مع الإعلام الفضائي والرقمي ليبقى لكل زمانٍ دولته ورجالَه، وذاك كان زمنَنا وأولئك رجالنا، وفي كلٍ خير.
)) التميز قدرٌ واقتدارٌ.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon