“يا الله.. متى نسافر؟ متى نتعالج؟ نبى نعيش”.. هذه هي كلمات ماجد الدوسري -رحمه الله- التي ستظل تتردد على مسامعنا كلما شعرنا بالخوف وعدم الأمان، الخوف من أن يقع أي منا طريح الفراش فلا يجد إلا الإهمال حتى الموت!
عندما يقول ماجد الدوسري -رحمه الله- نبي نعيش، فهو يطلب حقه في الحياة، هذا الحق الأساسي له ولكل إنسان أن يعيش، أن يُعالج، أن يجد من يهتم في حالته المرضية، أن يتشافى. وحتى لا نتلاعب بالمصطلحات ولا المسميات فإن الإهمال هو أحد أدوات القتل، وإن كان ما نراه إهمالاً له تفسير طبي في عدم سماح حالة ماجد الطبية للسفر، فما الذي يمنع من تسفير وعلاج شقيقته رنا، أم أن وزارة الصحة تنتظر إلى أن تسوء حالتها الصحية؟ هذه الأسئلة أوردها في حال بقي مصدر المعلومات واحداً وهو الرأي العام الغاضب، في حين ولنكون أكثر منطقية فبعد أن قرأت بيان وزارة الصحة، لم أجد حقيقة أي نوع من الإهمال أو التقصير، وأنا هنا لا أدافع عن الوزارة فهي مليئة بالعيوب، لكن لو تم تسفير ماجد وحدث له مكروه في الجو، فإننا سنعود ونتهم الوزارة على إهمالها!
أمور غريبة نراها في بعض القضايا، وتفسيرات أغرب، مع ذلك إن نحن قبلنا عذراً في كون حالة ماجد الصحية لا تسمح له بالسفر، فما هو عذر وزارة الصحة مع شقيقته رنا؟ هذا السؤال دار في ذهني كثيرًا، إلا أنني بعد معرفة الحقيقة في أنها هي من رفضت السفر إلا بصحبة شقيقها فهنا الوزارة ابرأت ذمتها.
وعودًا على بدء، ليعذرني القراء الكرام إن كنت قد بدأت هذا المقال دون توضيح من هو ماجد الدوسري لمن لا يعرفه؟ مع أنني أشك أنه إلى هذا اليوم يوجد شخص واحد بالسعودية لا يعرفه ولا يعرف قضيته.
ماجد الدوسري هو شاب مصاب بداء السمنة القاتل، وقد توفيت والدته -رحمهما الله- من ذات المرض، الذي يعاني منه وشقيقته رنا، وأصدر خادم الحرمين الشريفين أمرًا بنقلهما إلى الخارج عبر طائرة الإخلاء الطبي والتكفل بكافة مصاريف علاجهما، مع ذلك، لم يتم تنفيذ هذا الأمر الملكي لأسباب صحية، الذي جعل ماجد وشقيقته طوال هذا العام ونصف العام على أمل جديد بالحياة. مشهد حقائبهما المحزومة استعدادًا للسفر مؤلمة للغاية، كان يعيش على أمل الحياة، لكنها إرادة الله -عز وجل- أقوى من كل توقعاتنا.
وبعيدًا عن حالة ماجد، فهناك غيره كثيرون سواء الحالة نفسها أو حالة أخرى. وفي هذا السياق وجب أن أذكر قصة لا تعرفونها وهي عن “أم بندر” سيدة تتابعني وبمثابة صديقة، وزوجها يعاني من حالة ماجد نفسها ولم يجد لدى وزارة الصحة بابًا مفتوحًا لعلاجه، لكنها في بداية شهر رمضان اتصلت بي وقالت: أبشرك أبو بندر دخل مستشفى خاصاً وسيقوم بعمل العملية على حساب فاعل خير كويتي!
هذه حكاية واقعية وعرفت تفاصيلها، فكم من حكاية أخرى لم نعرف تفاصيلها؟ قضايا العلاج والإهمال الطبي والأخطاء الطبيبة، هي قضايا شائكة، والمخيف أنها تتفاقم لا تتقلص، فالمريض يتضاعف مرضه وهو يبحث عن أمر للعلاج، وإذا حصل على الأمر يصبح قلقًا من الإهمال أو الخطأ الطبي، مزعج هذا الشعور، لكن إذا ما ابتعدنا عن القصص في شكلها العام ومن ثَم محاولة استقاء المعلومات من مصادرها، وبعد الاطلاع على كافة الأقوال، فبكل موضوعية لا أرى تقصيرًا في حالة ماجد ورنا، وهذا لا يعني عدم تقصير الوزارة في عشرات الحالات غيرها!
www.salmogren.net