ليس من الصواب في اعتقادي أن تطفو على السطح قضايا اجتماعية تنمو وتتصاعد، دون أن يُظهر المسئولون المعنيون بالأمر حساً واهتماماً بما يتداول الناس، فيتم تجاوز هذه الهموم برسم صور مبنية على الأرقام والمعلومة النظرية التي لا يراها المواطن تتفق مع صورة الواقع الذي يعيشه ويستشعره بكل حواسه،
هنا ربما صح القول إن هناك فجوة بين حرص المسئول ومعاناة المواطن.
وما يخلق هذه الفجوة ويزيد اتساعها ضعف التواصل والاتصال بين الطرفين، حتى برغم وجود صحافة وإعلام حريص على إبراز الصورة لكلا الطرفين والمساعدة في خلق فهم وتفهم متبادل بينهما، إلا أن درجة هذا الحرص لم تصل بعد إلى المستوى الذي يُرضي الطرفين ويقدم لهما الصورة المقنعة، ومن هنا ربما نبتت هذه الفجوة في الفهم والتفهم بين المسئول في هذه الجهة الحكومية أو تلك وبين المواطن، أو بالأصح بين الرؤية النظرية والواقع المحسوس، وقد لا نصل إلى يقين في من أنبت أو خلق أو ساعد في ظهور هذه الفجوة في التفهم بين المستويين، الخادم والمخدوم، إلا أني أظن أن خلو صحافتنا من وجود المحقق الصحفي الذي يهتم بالأسئلة التي تدور في مخيّلة المواطن وعرضها بشكل واضح وصريح على المسئول بحثاً عن إجابات كافية وقادرة على إقناع المواطن إضافة إلى إيصال رأيه وشهادته بناءً على معايشته وملامسته اليومية في كل ما يخص هذه الجهة أو تلك، يجعل الصحافة أحد أهم الأسباب التي أنبتت هذه الفجوة وربما تزيدها اتساعاً إن لم تستيقظ من سبات الاتكال على الإعانة الحكومية وموارد الإعلانات التي ستزيدها سباتاً وخمولاً، وربما حوَّلتها إلى منشورات للدعاية والإعلان وليس أكثر.
ما يمكن قوله، هو أن السفير أو الممثل لجهة ما إلى جهة أخرى قد يتحول بفعل النشاط اليومي ودأب الحركة والحرص على الوصول إلى أمتن العلاقات معها إلى خادم لها على حساب جهته أو مهمته الأساسية، وهذا أمر طبيعي، فالسكر يذوب في الماء الساخن، والمدهش حقاً أن تشتكي صحفنا المحلية من ضعف التوزيع تناسباً مع عدد السكان وشح أعداد القراء، وفي اعتقادي أن هذا نتيجة ذاك، عندما تجاهلت قراءها طلباً للموارد الإعلانية تحوّلت من ممثل للمواطن إلى لوحة تشطيب للعلاقات العامة، وفي حين ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي الإليكترونية اتجه المواطن إليها ليوصل رسائله إلى الجهة المسئولة، وأصبحت الصحف ناقلة للخبر وليس أكثر، وكأن لم يكن من أحد أهم أهدافها أن تكون وسيطاً محايداً بين القارئ وصانع الخبر, وإلا فهناك أسئلة كثيرة تتداولها الألسن باحثة عن إجابات حقيقية تلامس الواقع ولا تتجاوزه، فهناك من يريد إجابة من وزارة الشئون الاجتماعية على السؤال الجوهري وهو: لماذا يُوجد بيننا فقراء؟ وما هي خطتها لتحويلهم من فقراء إلى مكتفين.. ومتى يتم ذلك؟ وهل هناك فعلاً خطة بهذا الاتجاه؟ وهل بُدئ في تنفيذها؟ وما هي المرحلة التي وصلت إليها؟
وأيضاً، ليت وزارة التخطيط تقول لنا: لماذا ظهرت البطالة والفقر وشح الإسكان في دولة تصدر أعلى إنتاج نفط يومياً، ولا يزيد عدد سكانها عن بضعة عشر مليون نسمة؟ وهل تمت مراجعة خطط التنمية وبُحثت الثغرات التي نفذت منها هذه القضايا؟
وليت وزارة المالية تُبيِّن لنا ما الذي يمنع من تخصيص نسبة من الإيرادات في إنشاء مصانع تنتج وتوظف وتخلق بدائل عن موارد ناضبة؟
كما نتمنى لو أفادنا مدير المرور ليس عن إيرادات ساهر، لكن ليقول لنا لماذا لا يحترم الناس أنظمة المرور؟
وربما نحتاج من وزارة الخدمة المدنية إجابة مقنعة حول عدم مساواة ابن الوطن بالوافد في التأمين الصحي والسكني؟
كذلك، لماذا لا يُبيِّن لنا مجلس الشورى أسباب الفارق الهائل بين كلفة تنفيذ المشاريع لدينا بمبالغ خيالية أمام تكلفة المشاريع المماثلة فيما حولنا؟
الحقيقة أن كل سؤال من هذه الأسئلة وغيرها هو بذاته قضية تستحق الطرح والحوار والنقاش الذي يأخذنا إلى فهم وتفهم أوسع، ويخلق فينا التناغم والانسجام ويساعد في إيضاح الرؤية ويُوجه أدوات التخطيط ورسم الخطط التنموية على قاعدة ثرية ومتشبعة بالفهم والتصور، ما يمنحنا فرصة الاستفادة من إمكانياتنا المتوفرة في بناء الوطن وتنميته والتي عمادها الإنسان، هذا الإنسان الذي إن لم تُوفر احتياجاته واستحقاقاته وتُقدم على غيرها فإن أي بناء وتنمية تتجاهل ذلك ستصبح بمثابة خالق وصانع لأزمات ومنشأ لقضايا اجتماعية أخرى تعطّل كل عمل وتهدر الوقت والجهد والمال.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni