أتمنَّى أن استنطق وسائد البشر لأعرف أسرارهم الخاصَّة، وأطلع على مكنونات أفكارهم لحظة وضع رؤوسهم على هذا الجماد الذي يخلد إليه الكلُّ من أجل النوم.
ترى ماذا ستقول لي وسادة بشار الأسد.. الرئيس التونسي السابق ابن علي..الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.. ومن بعده الرئيس الجديد - القديم لأرض الكنانة الدكتور مرسي.. الرئيس اليمني المنسي علي عبد الله صالح، ليس هؤلاء فحسب بل ماذا ستقول وسائد زوجاتهم، أولادهم، حاشيتهم، جلاوزتهم، الوزراء والأصدقاء والمقرَّبين، ما هو مصير وسادة من مات أمثالهم من أولئك الذين يتوسدون اليوم الطِّين ويلتحفون التُّراب تحت الأرض؟
في المقابل هناك وسائد تستقبل عند المساء رؤوسًا تتنعَّم حين يحل النَّوم بالأحلام الوردية والآمال العريضة والتطلُّعات التي كانت قبل ليالي معدودة ضربًا من الخيال، ما هي ماهية تلك الأحلام، وكيف يخُطِّطون للوصول إليها؟
كم من الزَّمن تمضيه رؤوس هؤلاء وأولئك وهي تتقلب يمنة ويسرة، وتفكر هنا وهناك قبل أن يغشاها النعاس ومِنْ ثمَّ تنام؟
أتمنَّى أن استنطق شهادة وسادة المظلوم وهو يرسل دعواته لربِّه على من ظلمه بعد أن عجز أن يستجلب النَّوم لنفسه حين تذكر عمق جرحه وعظيم مصابه، ترى ماذا عساه أن يقول، وكم هي كمية الدُموع التي ينثرها ويبلل بها بياض الوسادة؟.
أتمنَّى أن أقرأ مكنونات وأسرار الدُموع التي استقبلتها وسادة تلك الفتاة وذلك الشاب “العاشق والمعشوق” لأعرف كيف هي ليالي المحرومين المجانين الغارقين في عالم الهوى {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء}.
أتمنَّى أن أتعرف على وسائد بشر كثر “المعاقين، المرضى، المساجين، الفقراء، اليتامى، المحرومين، الأرامل والمطلقات والمعلقات والعوانس.. علَّني أكشف أسرارهم التي تستقبلها وسائدهم كل مساء، أكتب عن همومهم وآمالهم وأمانيهم حبيسة الأفئدة المنكسرة المجروحة.
هل يمكن لنا أن نبدل وسائدنا نحن الكبار بوسائد أطفالنا الصغار لنعرف للنَّوم طعمه، ويسربلنا النعاس سريعا؟
كم من البشر ينام على الريش.. ينام على وسادة من القطن.. من الأسفنج، وكم هم أولئك الذين يتوسّدون التُّراب وربما ناموا على سواعدهم التي أرهق الجُرح الدامي الغارق في الذات، ومع ذلك ربَّما كان هؤلاء أسعد وأهنئ بنومهم على وسائدهم من أولئك الأثرياء المترفين؟
من هم أولئك الذين يتركون وسائدهم في الثلث الأخير من اللَّيل من أجل الاتِّصال بالربّ، كم عددهم، وما دعواتهم حين يضعون رؤوسهم على وسائدهم بحثًا عن قسط من الراحة قبل القيام؟
والسُّؤال الصَّعب في زمن التذمر والتضجر والصراخ، ترى كم هم أولئك الذين نالت أرواحهم الرقي والطمأنينة، وخلت قلوبهم من الحقد والحسد والضغينة فصاروا منذ لحظة استقبال وسائدهم لرؤوسهم مسربلين بالنَّوم الذي ينمّ عن راحة البال وسلامة الضمير؟
أنت..كيف تستقبلك وسادتك، وكم هو الوقت الذي تمضيه وأنت تحكّ وجهك في يمنها ويسارها بحثًا عن النوم، وربما أجبرك التفكير المرِّ بأن تقلب وسادتك علك أن تجد في الوجه الآخر ما رحل من جفنيك جرَّاء ما أنت فيه من حال؟ o ترى لو نطقت وسادتك عن أحلامك حين تنام عليها، عن أفكارك ومخطَّطاتك عندما يضنيك السهر، عن دعواتك وتسبيحك في وقت السحر، عن همومك وآلامك وآمالك، عن... فماذا ستقول؟
أعلم أن البعْض يقول في نفسه: وما الوسادة.. وحتى تعرف قدرها جرِّب أن تنام بلا وسادة.. هل سترتاح؟
أخيرًا هل تعلم أخي الحبيب كم هي عميقة تلك العلاقة بينك وبين وسادتك؟.. إذا أردت اكتشاف ذلك فراقب نفسك عندما تتركها لأيِّ سبب من الأسباب وتتوسد غيرها.. لا تقل هذه جماد فحتى الجمادات “الأرض والشَّجر والحجر” يَتولَّد بينها وبين الإنسان علائق حبٍّ، وتمتدّ بينهما جسور ودٍّ تحتاج منّا إلى قراءة وتفكر وتأمَّل ومن قبل هذا وذاك احترام وتقدير واعتراف بالجميل. أتمنَّى لِكُلِّ قارئ عزيز صداقة حميمة مع وسادته، دمتم بخير وإلى لقاء والسَّلام.