في صخب الإجازة ولهيب الصيف اللافح رحل زميلنا الخلوق سليمان الفليّح بهدوء ودون ضجيج، فقد كان مهذباً في وجوده، وشامخاً في رحيله..
سليمان من القلائل الذين لا تنطوي قلوبهم على حسد؛ رغم المعيشة الشاقة التي عاناها، وحياة التنقّل واللا هوية المحدّدة، فمن غير المستغرب أن يشيد بما يكتبه زملاؤه في الصحف أو الإشارة لهم في زاويته (هذرلوجيا) بـ(الجزيرة) وهو ما حصل لي حين أشار لأحد مقالاتي المنشورة بالجريدة حول الأمن العام، والمعتاد ألا يشير أو يشيد بعض الكتّاب بما ينشره غيرهم في ذات الصحيفة إلا نادراً!!
من قرأ سيرته وكدحه وشقاء الحياة ومرارتها التي عاشها منذ صغره، حيث رعى الإبل والغنم وعانى طفولة بائسة بدون وجود هوية خاصة به أو جنسية لوطن بعينه؛ يدرك سمو نفسه بعدم متاجرته بقضيته الكبيرة فقد حارب من أجل الكويت وكأنها بلده وانتقل منها للمملكة مواطناً صالحاً يكتب بدم شرايينه عن الهمّ الوطني والقضايا السياسية المحيطة، والنظرة المستقبلية لبعض المسائل، كتحذيره عبر مقال من خطر ناقلات الغاز، وحصول ما حذَّر منه والمتمثِّل بالفاجعة المشؤومة لناقلة الغاز في مدخل مدينة الرياض الشرقي، بعد ستة شهور من نشر المقال، وهو ما يشير للحس الإنساني والهمّ الاجتماعي الذي يضطلع به الكاتب الصحفي وقد لا يجد صدى أو تجاوباً من بعض المسؤولين!!
وحين أكتب عن فجيعتي بزميل الحرف اللطيف والأخ العفيف العازف عن زخرف الحياة، وذي الكرم غير المحدود في منزله البسيط؛ فإني أرثيه كاتباً بدرجة إنسان ومواطناً بدرجة مخلص، وقد كان حامداً شاكراً لآلاء ربه سواء بتمتعه مؤخراً بالمواطنة الحقة أو حياته الأسرية الدافئة ولعله يجد بحياته البرزخية إن شاء الله ما يعوِّضه عن حياته الدنيوية.
لم يكن سليمان كاتباً صحفياً فحسب، بل كان أديباً وشاعراً، حيث يقول باعتزاز وشموخ:
وموت الحياة حياة الجبان
وموت الممات حياة الشجاع
وللراحل ستة إصدارات أدبية، فضلاً عن أربعة تحت الطبع، كما ترجمت بعض إصداراته للغات الإنجليزية والروسية والفرنسية، وشارك بالكتابة في معظم الصحف الكويتية والسعودية وحصل على عشرين درعاً ثقافياً وعشرة دروع مهنية إبان مشاركته الجيش الكويتي بمعركة عاصفة الصحراء، وكتب عنه في حياته أكثر من ثلاثين كاتباً وشاعراً عربياً وأجنبياً.
من وصاياه الرائعة التي تحمل أملاً وتفاؤلاً (يا ولد، إن ضاقت الدنيا فاتسّع!)
رحمك الله يا سليمان رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، وجعل قبرك روضة من رياض الجنان، وعزائي لأسرته ومحبيه وقرائه.
و.. داعاً أيها الرجل النبيل..
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny