ها هي تطورات الأحداث تؤكّد حقيقة يا طالما سعى قادة الجماعة إلى تجاهلها؛ وهي أنهم غير مهيئين للعمل السياسي؛ ولذلك هم يحترقون في أول فرصة تُتاح لهم؛ لأنهم يحتكمون إلى اطمئنان لا يداخله شك بأن من لا يؤمن بنظريتهم المؤدلجة لا يمكن الركون إليه في أية مهمة من مهمات إدارة الحكم، ومن هنا جاءت سقطتهم الكبيرة في أخونة الدولة، حتى أصبحت الحكومة ومجلس الشعب ومجلس الشورى إخواناً مسلمين لا أجهزة رسمية تمثّل الشعب المصري كله، وهو شعب متعدد الأطياف، تتجلّى عظمته وعبقريته وإبداعه في تعدد مكوناته الفكرية والثقافية؛ فهو ليس أزهرياً، ولا سلفياً، أو صوفياً، أو إخوانياً، أو مسيحياً، أو تياراً فرعونياً، أو وطنياً، أو آخر عروبياً، أو ليبرالياً، أو علمانياً؛ بل هو ذلك كله، فما هو النظام السياسي غير الفطن الذي لا يسعى إلى احتواء كل تلك التيارات وإدماجها في منظومة العمل السياسي بتوليفة ذكية ترتفع بها عن الإحن والمنازعات والشقاق ؟! وأية جماعة بلغ بها الحمق مبلغه لا ترى في الساحة السياسية إلا نفسها، فتتخبط في اجتراح قرارات مصيرية خارجية ترمي بمصر بعيداً في أتون لهب من الولاءات الأجنبية القاتلة كالعلاقة مع إيران، وتغلق منافذ الحياة وقواعد اللعبة السياسية المتبادلة بين التيارات المؤثِّرة في الداخل؟!
مرت الجماعة في تجربتها السياسية الطويلة بأزمات كادت تطيح بها إلى الأبد لولا أن بقي فيها رمق ضعيف ينبض ببطء أوصلها إلى عرش فرعون في زفة مؤامرة الشرق الأوسط الجديد؛ حيث رأى منظرو الخطة في مراكز الدراسات والأبحاث بأمريكا أن الجماعة لديها من الاستعداد لتنفيذ الخارطة الجديدة وتطبيق شروطها في مقابل كعكة العرش الذي تحلم به منذ ثمانين عاماً!
وإذا كان طموحها المبكر في الوصول إلى العرش قد قضي عليه مع إطلاق أول رصاصة على زعيم سياسي في تاريخ مصر الحديث؛ حين سالت أول قطرة دم سياسية من النقراشي باشا رئيس الوزراء في عهد فاروق باعتباره من اتخذ أو نفذ قرار حل الجماعة 1948م فإن الرصاصة الثانية التي أطلقت على عبد الناصر في منشية البكري بالإسكندرية 1954م واتهمت الجماعة بها؛ كانت الضربة القاضية الثانية التي أنهتها وشلَّت عملها وشتتها قرابة نصف قرن تقريباً، إلى أن فتح لها السادات كوة صغيرة للعمل السياسي؛ كي يضرب بها التيارات الأخرى التي تهدد نظامه؛ كالشيوعيين والناصريين، ولكن المحاولة الثالثة التي جاءت للجماعة على طبق من ذهب، ولم تكن تحلم بها؛ هي هذه الأخيرة التي زفتها إلى الواجهة من جديد بمساعدة وتدبير من المخابرات الأمريكية وغيرها وتضامنٍ مع تيارات سياسية وليدة كحركة شباب 6 إبريل وحزب كفاية وغيرهما لإسقاط نظام مبارك، وهو ما حصل بعد 25 يناير، وإجراء انتخابات لم يكن في ذاكرة الشارع المصري في غمرة الفوضى والانتشاء بزوال النظام القديم إلا صورة الجماعة التي دغدغت مشاعره واستمالته عقوداً من الزمن بالخطابات العاطفية وبالتسهيلات المالية في الأعمال الخيرية من مدارس وجمعيات تعاونية وقروض ميسرة؛ وكأنها تنتظر الفرصة القادمة!
والآن وبعد أن فشلت التجربة الإخوانية في العمل السياسي وثورة الشارع المصري وانكشاف مخطط الشرق الأوسط الجديد ودور الجماعة في تنفيذ بعض بنوده وانقلابها على مجتمعها للانتقام منه بعمليات الحرق والتفجير وتوظيف الجناح العسكري لها في سيناء لهدم الدولة؛ فإن من المتوقع - إن لم يكن صدر قبل نشر هذا المقال - اتخاذ قرارات قانونية عليا لحل الجماعة وإغلاق مكاتبها ومصادرة أموالها ومحاكمة قادتها واعتبارها جماعة إرهابية؛ وهنا ستنقلب الجماعة من جديد على مجتمعها وكأن الزمن يعيد نفسه بعد 1954م لتتحول إلى العمل السياسي السري، وتتبنى خيار الدفاع الموهوم عن الذات بالأعمال الإرهابية؛ من اغتيال وتفجير وحرق للمؤسسات؛ ولكن مصر تبدأ حقاً في وضع قدمها على عتبة المستقبل بدون أحزاب أو جماعات قائمة على أسس دينية.
moh.alowain@gmail.commALowein@