كلنا نعي أن حياة اللاعب (كمهنة) تعتبر قصيرة مقارنة بغيرها من المهن، ولذلك تحاول جميع الأندية المحترفة استخراج كل ما يمكن استخراجه من موهبة وعطاء اللاعب منذ اللحظة الأولى التي يظهر من خلالها أن هناك لمحة إبداع في داخل هذا المستجد يجب الاستفادة منها كاملة. فالموهبة كما نتفق جميعاً تصقلها التجربة والخبرة، ولكن التميّز الحقيقي لا يمكن إظهاره إلا في المواقف الصعبة والاختبارات الحقيقية وليس بجعلها تدور في دوائر مغلقة تستنفد كل مخزونها ليصبح هباءً منثوراً في مواطن الظل. أرى (والعلم عند الله) أن انخفاض مستوى الكرة لدينا ككل من أندية أو منتخبات والشح الشديد الذي نتلمسه في المواهب قد تزامن مع إقرار دوري خاص للاعبين الأولمبيين. هذه الفئة من اللاعبين كأنهم وقعوا في فوهة سوداء لا مخرج لها، فهم أقل من أن يكونوا لاعبي فريق أول وأكبر سناً من تصنيفهم كلاعبي فئات سنية. صنفناهم بلا وعي بأنهم عبء إضافي يثقل كاهل الأندية عددياً ومادياً وإدارياً، ينتظرون فرصة تتجمّع فيها العديد من الظروف (موجة إصابات تجتاح عناصر الفريق الأول مع ابتعاد موعد فترة التسجيل القادمة وعجز مالي يمنع الإدارة من استقطاب لاعبين من خارج أسوار النادي). وفي هذه اللحظة بالذات تسنح لهم الفرصة فقط ليطلوا برؤوسهم من عنق الزجاجة ويثبتوا للملايين وخلال دقائق معدودة بأنهم يستحقون أن يكونوا في الفريق الأول. فإن ارتبك أو أخطأ أو انهار تحت ضغط سد فراغ لاعبي الخبرة، ستلاحق هذا اللاعب (المستجد في عرفنا) الشتائم وأسهم النقد لا ليعود للفوهة السوداء التي أتى منها، بل ليعود لبيته تاركاً خلف ظهره كل أحلامه وتطلعاته لكرة القدم. ماذا ننتظر من لاعب قد بلغ الثالثة والعشرين من عمره وتم تصعيده للتو للفريق الأول ليحاول لنصف موسم أو أكثر من ذلك حجز مقعد احتياطي في الفريق، وبعد أن يمر موسم أو موسمان على هذا الإنجاز العظيم، يبدأ أحد المدربين بعمل المجازفة العظمى بإشراكه أساسياً في لقاءين أو ثلاثة خلال الموسم لينهي موسمه هذا وقد تجاوز ست وعشرين سنة لنطلق عليه بعد ذلك (اللاعب الشاب الجديد في صفوف الفريق).
لنستعرض سوياً بعض الأرقام القياسية التي حدثت في أكبر تظاهرة كروية في العالم ألا وهي كأس العالم لكرة القدم، ولنر كم سنة ضوئية نحن نبعد عن غيرنا:
- الإيرلندي الشمالي (نورمان وايتسايد) لعب في كأس العالم وعمره 17 سنة و41 يوماً.
- الأسطورة البرازيلية (بيليه) لعب نهائي كأس العالم وعمره 17 سنة و249 يوماً.
- التوغولي (سليمان مامام) لعب في التصفيات المؤهلة لكأس العالم وعمره 13 سنة و310 أيام.
- الأمريكي (توني ميولا) كان كابتناً لمنتخب بلاده وعمره 21 سنة و109 أيام.
- الأرجنتيني (خوان تراموتولا) كان (مدرباً) لمنتخب بلاده وعمره 27 سنة و267 يوماً.
كل ما سبق كان سرداً للأرقام القياسية، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ كم من لاعب سجل حضوره الدولي في (أقوى بطولة في العالم) وعمره لم يصل لسن اليأس الموهباتي (إن جاز التعبير) الذي نسمح له في دورينا أن يخوض تجربته المحلية الأولى في حياته وقد تجاوز سن الثالثة والعشرين.
بقايا...
- إلغاء دوري الأولمبي واقتصار الفئات على ناشئين وشباب وأول سيرغم الأندية على التصعيد أو البيع أو الإعارة، فتتفادى المواهب الاحتراق في المحرقة الأولمبية.
- هل تعلم عزيزي القارئ أن الأسطورة الحيّة (ليونيل ميسي) قد حقق عشرين بطولة رسمية مع الفريق الأول لنادي برشلونه، بخلاف ما حققه مع منتخب بلاده وفريقه في الفئات السنية وهو لم يتجاوز السادسة والعشرين عاماً!
- ما الفائدة المرجوة من لاعب أساسي في الفريق الأولمبي لثلاث مواسم دون أن يتم تصعيده للفريق الأول؟ وما الفائدة التي ينتظرها هذا اللاعب من الدوران في هذه الحلقة المفرغة؟ فقط ليسمى لاعباً؟
- لن تقوم قائمة لكرتنا ونحن نضيع ذروة حماس وجهد ورغبة لاعبينا باعتبارهم (بديل نستعين به اضطراراً وليس اقتناعاً).
خاتمة...
وهدى التجارب في الشيوخ وإنما
أمل البلاد يكون في شبانها
(معروف الرصافي)
Twitter: @guss911