فرح التومي - تونس:
انطلقت أمس الاثنين جولة أخرى من المفاوضات بين الأطراف الأربعة الراعية للحوار وممثلين عن أحزاب المعارضة بعد رفض أحزاب الترويكا الشروط التي قدمتها المعارضة عن طريق اتحاد الشغل ومن معه من منظمات وطنية، تسعى جاهدة إلى إيجاد حل توافقي بين الحكومة والمعارضة، يضع حدًّا للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ أكثر من شهر.وكانت أحزاب الترويكا الحاكمة قد أبلغت المنظمات الأربع الراعية للحوار رفضها القاطع لمهلة الأسبوعين التي حددتها لها أحزاب المعارضة لإعلان استقالتها وتقديم مرشحيها لحكومة إنقاذ أو حكومة كفاءات غير متحزبة، تتولى إدارة الشأن العام وتنظيم الانتخابات، إلا أن الترويكا، التي يرى أغلب ممثليها أنها قدمت تنازلات كثيرة مقابل تصلب المعارضة في مواقفها وتصعيد سقف مطالبها كل يوم، تعتبر أن باب الحوار لا يزال مفتوحاً، وأنه بإمكان الأطراف الراعية للحوار أن تتحول إلى منظمات ضامنة للتوافقات والتنازلات التي قد يقدمها طرفا النزاع.وصرَّح القيادي بحزب التكتل، أحد أضلاع الترويكا الثلاثة، المولدي الرياحي، بأن قيادات الائتلاف ستلتقي من جديد على حدة، ثم في إطار اجتماع مع المنظمات الراعية للحوار، مفيداً بأن هناك تطوراً في المفاوضات، لكنه بطيء جداً.من جهته، قال الحسين العباسي الأمين العام لاتحاد الشغل إن على طرفَي الخلاف، الحكومة والمعارضة، تقديم تنازلات حتى وإن كانت موجعة، من أجل أن يتقدم الحوار، وتقطع المفاوضات شوطاً مهماً على درب حل الأزمة السياسية الخانقة.وبالرغم من التكتم الشديد الذي صاحب جولة أمس الأول الأحد من المفاوضات إلا أن الناطق الرسمي باسم حزب التكتل، محمد بنور، أقرّ بأن أحزاب الترويكا الحاكمة رفضت بشدة مبدأ تحديد مهلة بأسبوعين من طرف المعارضة لإعلان الحكومة استقالتها، خاصة أن المعارضة أكدت أنه بانقضاء المهلة وعدم استقالة الحكومة، يمكن اعتبارها مستقيلة آلياً. وتأكد مع مرور الأيام وتفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية بتونس تمسك طرفَيْ النزاع بموقفيهما، وعدم إقدام كل منهما على تنازلات حقيقية لمصلحة البلاد، كما يصرح الجميع على الملأ، وهو ما زاد الطين بلة، وقضى على بوادر الانفراج التي تلوح بين الفينة والأخرى.
ولعل تصلُّب الجالسين على الربوة أكثر شدة من الماسكين بزمام السلطة؛ فالتمسك بإقالة حكومة علي العريض المنتخبة والمنبثقة من أكبر سلطة شرعية في البلاد بعد الثورة، أي المجلس الوطني التأسيسي، يعتبره المحللون السياسيون سقفاً عالياً جداً من المطالب التي لا تستند إلى المصلحة العامة، بقدر ما تستجيب لتطلعات المعارضة المتطرفة.
فلا أحد يجهل حجم التنازلات التي قدمتها حركة النهضة بالرغم من الموقف المتشدد لجناح «الصقور» داخلها وحتى خارجها؛ إذ صرح رضوان المصمودي رئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية بأنه في حال قبول النهضة بشروط جبهة الإنقاذ واستقالت الحكومة قبل بدء الحوار وقبل الانتهاء من الدستور ستكون النهضة بذلك قد خانت المسؤولية والأمانة التي سلمها لها الشعب. مضيفاً: «إذا استقالت حكومة علي العريض ورضخت الترويكا إلى شروط جبهة الإنقاذ ستكون النهضة قد ساهمت في الانقلاب الأبيض على السلطة، وإدخال البلاد في مرحلة خطيرة من الفوضى وعدم الاستقرار».وفي المقابل، أعلنت مية الجريبي، الأمينة العامة للحزب الجمهوري، الذي كان قبل اندلاع الأزمة على قاب قوسين أو أدنى من إمضاء تحالف مع النهضة، الرفع من سقف مطالب المعارضة وتواصل التحركات الشعبية في الشوارع إلى حين بلوغ الهدف وإسقاط الحكومة، وهو موقف اعتبره الملاحظون تشدداً وتطرفاً، ولا يتقدم بالمفاوضات الجارية، بل إن من شأنه تعكير الأجواء التي تسعى الحكومة إلى تليينها وتلطيفها.
وفي السياق ذاته، ذكر رضا بلحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير، وهو أحد مكونات التيار الإسلامي والقريب جداً من السلفيين، أن التيار السلفي يتعرض لاختراقات استخباراتية بشكل احترافي ومدروس، مضيفاً بأن القيادات السلفية لا تزال تحت وقع الصدمة مما أعلنه وزير الداخلية منذ أسبوع عن ضلوع المنتمين إلى التيار كله في الاغتيالات السياسية التي حصلت بالبلاد.وفجّر بلحاج قنبلة إعلامية بتأكيده أن ما يقع من ظلم للسلفيين إنما مرده الصفقة التي عقدها الشيخان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة والباجي قائد السبسي رئيس حركة نداء تونس، والتي بمقتضاها سيتم اقتسام «كعكة السلطة» بين الحركتين، في إطار مخطط مدروس. مضيفاً بأن النهضة برميها التهم على السلفيين إنما تريد تبرئة نفسها ورمي الكرة خارج مرماها لتصبح سائلة بعد أن كانت مسؤولة، وفق تعبيره.
وشكك رضا بلحاج في صدقية المعلومات التي استعرضها وزير الداخلية مؤخراً حول ثبوت التهم على المنتسبين لتنظيم أنصار الشريعة خاصة والسلفيين عامة، مبيناً أنها تصب في خانة استغفال التونسيين واللعب بعقولهم، متسائلاً كيف للتيار السلفي أن ينفذ عمليات اغتيال بتلك الدقة والحرفية، والحال أنها تستوجب تدريباً خاصاً لا يتوافر لدى السلفيين بل يقيم الدليل على وجود اختراقات استخباراتية للتيار كله.