(عيش + حريّة + عدالة اجتماعية)، هذه هي الأقانيم التي علّقتها ثورة 25 يناير المصرية وهي نفسها قناديل الضوء التي علّقها ملايين المصريين أملاً في أن يهتدي الشعب إلى طريق الخلاص من دسائس الخيانة ومن خسة الفساد والفاسدين. عندما قرّر الشعب المصري أن يتحدث كان صوته جهيراً. ذلك أن توفير الخبز دون توفير شروط الحريّة هو ضرب من الخداع واستهتار بمشروعية الثورة التي ظلت كظيمة في الصدور لأكثر من ثلاثين عاماً، حتى قيّض الله لها من يزفرها كنيران (التنين) الخرافية وتلسع وجوهاً كانت تظن نفسها في منأى عن الغضب الشعبي وتقصي وجوهاً وأسماء كانت تحسب أنفسها الناطق الرسمي باسم (مصر) وأمين سرّ أسرار مصر.
وهي لم تكُ سوى لمجموعة من جواسيس المخابرات الأجنبية ومن يدور في فلك المخابرات. وعندما نتأمل الإقنيم الثالث وهو العدالة الاجتماعية نؤمن بأن الشعوب الحرّة لا ترضى بغير (كرامة) الإنسان في وطنه التي لا ينبغي أن تُفلتَ من أيدي صناع القرار - إن كانوا بشراً يعون مدى تجذّر معنى العدل الاجتماعي في سيرورة الشعوب -.
إنّ من يضع (جداول وفئات) يقسّم فيها الشعوب حسب قربها وشخصانيتها وصلتها بأصحاب الحلّ والربط هو نظام متخلف وديكتاتوري. فالله خلقنا بشراً متساوين في الحقوق والواجبات أمامه وأمام الالتزام بمصلحة الجماعة وتقديمها بونٌ شاسعٌ على مصلحة الفرد أو الطبقة أو الجذور الاجتماعية. فكيف يتمّ شراء وطن ومجتمع رصيدهما من الحضارة يتجاوز السبعة آلاف عام بالزهيد من الوعود غير المنفذة والتظاهر بالعظمة والتفوق أمام شعوب أخرى؟!. تمّ شراء المصريين بدءاً من اتفاقيات السلام الأحادية الجانب وتطبيع العلاقات مع العدوِّ التاريخيِّ و(الجذريِّ) للأمة العربية والإسلامية. والانخراط في مسيرة سياسية تكاد تسيطر عليها الإمبريالية، بل وهي تسيطر عليها فعلاً. تمرّ على شعوب الأرض قاطبة لحظات من (الهوان) بفعل هزائم تاريخية وإحباطات وعدم إتباع استراتيجيات للحدّ من سيطرة (ثقافة الهزيمة) وتشييء روح المقاومة لدى الشعوب ونفخ اللهيب مرة أخرى في صدور الناس كيْ لا يظنوا أن التاريخ والعالم انتهيا. وكيْ تستمر الأفضلية والأحقية لدى الشعوب التي تعرف أن الزمان (دُوَل) وأن من ساءه زمنٌ سرّته أزمان!.
وعندما جاء الثلاثون من حزيران (يونيو) الماضي خرجت جميع طوائف الشعب المصري تطالب بمصادرة السلطة من جماعة الإخوان المسلمين وذراعهم السياسي حزب الحرية والعدالة عندما اكتشف الشعب أنها سلطة تنوي عزل الشعب في قضايا ثانوية ومحاكمة أيّ مبدع على طريقتها في اختلاق التهم والتبريرات السطحية والإبقاء على معاهدة الصلح مع العدوّ الصهيوني وعبر خطابها (الانفصامي) للغرب الخصم ممثلاً في قوى الاستعمار الجديد من الولايات المتحدة حتى منظمات الانتحاريين الواهمة والموهومة!.
وعندما قام وزير الدفاع رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق (ع.السيسي) بالانحياز التام لمطالب الجماهير التي كانت قد هتفت بـ(تفويض الجيش) في أيّ حلّ يراه كفيلاً بإنهاء أزمة المتظاهرين ثم أزمة (المعتصمين) المؤيدين لنظام الإخوان والذي (خرجوا) في اعتصامهم عن (النصّ) كثيراً حيث مارسوا ترهيب المتظاهرين و(إهانة ضباط الجيش) بالهتافات المبحوحة، وقرّر -عزل د.محمد مرسي- وإيداعه التوقيف لحين محاكمته على جرائم منها التحريض على قتل متظاهرين إلى... كونه هارباً من السجن إبان ثورة يناير إلى تهمة ستظل تلاحقه مدى العمر وهي ما يتعلّق بتورطه في العمالة لجهات أجنبية وعندها تمادى مناصروه وأعلنوا اعتصاماً مفتوحاً في ميدان -رابعة العدوية- ظلّ يتراكم إلى الحدّ الذي أعاق سير الحياة الطبيعية وأعلن وزير الداخلية نية وزارته بفضّ الاعتصام بالقوة التدريجية جنّ جنون الإخوان وأمطروا وسائل الإعلام وخاصة الأوروبية بخبر مفاده أن ما جرى هو انقلاب عسكري. وتردَّدت أميركا ثم قالت ما هو معتاد منها بأنها ترفض الانقلابات وتدعو المصريين إلى تغليب صوت العقل وإعادة (المعزول)، ثم سرعان ما تراجع (أوباما) واضطر للاعتراف بالواقع وتلاعب بعبارات (مغازلة) الحكومة التي تكوّنت من جبهة إنقاذ شملت كل الأطياف. ولكن ذلك لم يلقَ هوىً لدى الحكومة المؤقتة التي حذّرت أمريكا وإسرائيل ودول الغرب من أية خطوات حمقاء للتدخل في شؤون مصر الداخلية.
كان هذا أسوأ موجز للأنباء مرّ بالوطن العربي!
حين وجد الثائرون أنهم قُوبلوا بالتنكر و(الازدراء) من قبل نظام الإخوان المسلمين وشعر المواطن المصري بأن ثالوث (عيش + حرية + عدالة اجتماعية) قد تمّ كسر زاويته الأخيرة وهي العدالة الاجتماعية رفض بإصرار حكومة تجيء لتقوم بـ(ترقيع) الثوب الذي أراد الحصول عليه جديداً وزاهياً وطالب بحكومة قادرة على العمل. ولو على شكل حكومة تكنوقراط تعيد ما تبقى من كرامة مصر والمصريين.
لا تزال الأحداث تدور وتشتعل وتخفت أحياناً!
لا تزال الحكومة المؤقتة تعتقل بشراسة رموز الأخونة وكان أهمهم المرشد العام للإخوان محمد بديع الذي يعتبر القائد والمرجعية العليا وهو الذي يراجع خطابات مرسي ويقوم بتصحيحها وحذف ما لا يريده (هو) منها.
والتهميش عليها الذي هو أهم من المتن. وتترى دخل القياديون في التنظيم السري - كما اصطلح الإعلام المصري على تسمية حركة الإخوان المسلمين - للسجون. وليت هذا كان من أجل حماية مصر والدفاع عنها بل كان الهدف هو الكرسي الذي أدار رؤوس الإخوان وأثملهم.
هذه الحركات كان الإسلام في غنىً عنها. لولا أن الإنسان (كان ظلومًا جهولاً).
hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.comحائل