يقول المتنبي:

وفي الشِّعر ما تَهوَى النُفُوس استماعهُ

وفي الشِّعر ما قد ضَمَّه حَبْلُ حَاطبِ

الشعر متاح للجميع وليس من حق أحد أن يصادر على الآخر ما تميل إليه نفسه منه طالما كان الأمر في حدود الرأي الانطباعي والذائقة الخاصة التي هي أقرب للذاتية، أما إن تجاوز الأمر ذلك كأن يكون هناك طرح يسلك صاحبه منحى الجديّة لطرح ما يرى أنه مقنع أو متميز بحسب ما يود إقناع الآخرين به وإيصاله إليهم، فليس له الخيار في تعددية الطُرق ولا بد أن يصاحب ذلك منهجيّة تتمثل بأدوات الناقد الفنية التي تحتكم إلى علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع وهو أمر (لا يتأتى) لكل من هو غير مؤهل وهنا يكون الخلط، واللبس، وضبابية الرؤيا في التنظير وهي - مجتمعة - لا تمثّل أدنى إشكالية لأنها محسومة سلفاً لصالح الشاعر المتمكن وفق ما يقدمه الناقد (الحقيقي) وبالتالي (لا يصح إلاّ الصحيح) وإلاَّ لوصل إلينا مئات الشعراء المغمورين الذين ذكر أسماءهم أبو الفرج الاصبهاني في (مجلدات) كتاب الأغاني وغيره من قدامى المؤلفين من مئات السنين، بينما وصلنا المتنبي - على سبيل المثال لا الحصر - على الرغم من كثرة مناوئيه وأعداء نهجه في الشعر..!

وفي المقابل لماذا هذا الرواج والقبول لشعر الشاعر الكبير الأمير سعود بن محمد وشعر الشاعر الكبير عبد الله بن عون - على سبيل المثال لا الحصر - علماً بأن كل منهما لم يصدر له ديوان شعر ولم يقيما أمسيات شعرية عديدة كغيرهما ولم يكونا من جيل تلميع المجلات الشعبية او اصحاب الارقام الفلكية الوهمية من متابعي (تويتر)، باختصار هما شاعران كبيران لذلك انتشر شعرهما وحفظه الناس حاضرة وبادية من كل أبناء المناطق والقبائل في كل أنحاء المملكة العربية السعودية والخليج العربي، وبالتالي فإن قصيدة الشاعر هي التي تفرض حضوره المتميز في الشعر لا ما سواها أياً كان تنوّع هذا الحضور الراقي في ذائقة الجميع من منظور نقدي أو انطباعي.

وقفة للشاعر محمد العبد الله القاضي - رحمه الله -:

وان جَلّ رَجْلٍ في عيونك فماله

ووازِنْ ثِقِل عقله بعقلك بمثقال

وتَكشِفْ ضَغَاين غايته بالرّسَاله

أو لَفْظ مَرسولِه بعنوان ما قَال

ويبِين لك فضل الرَّجل في مقاله

إِلَى جَا جْدالٍ فيه فَضٍّ لَلاَشكال

فالصَّاحب الصَّافِي تَحَمَّل خَمَاله

يَلْزَمْك والاَّ الضِّد حِدِّه على الْجَال

abdulaziz-s-almoteb@hotmail.com