بعد قرار حل الجماعة ومصادرة أملاكها واعتقال أعضائها ثم اغتيال مؤسسها 1949م اندفعت مشاعر الانتقام عند كثيرين من أعضائها، وتواصلوا مع فئة من الضباط الشبان الطامحين إلى التغيير والمتطلعين إلى إصلاحات كثيرة في مصر، وتم تنسيق بين قيادة الجماعة بمرشدها آنذاك حسن الهضيبي الذي خلف البنا ونفر من الضباط الأحرار كما أسموا أنفسهم في السنتين اللتين تلتا اغتيال البنا، وتؤرخ المصادر لقاءات كثيرة مصورة بين الجانبين، استمراراً لصلات مودة سابقة وجهاد مشترك على أرض فلسطين بين عسكر الجماعة وعدد من ضباط الجيش الملكي المصري وعلى رأسهم جمال عبد الناصر نفسه.
كانت الرغبة في الانتقام والقفز على السلطة حاضرة عند الإخوان، وتماثلها الرغبة نفسها في جزئيتها الثانية عند الضباط الأحرار؛ ولكن قيادة الجماعة خشيت بعد اجتماعات متوالية مع خلية الجيش الثائرة أن تقطف ثلة الضباط كأس الفوز دونها وتحظى بسبق التغيير والوصول إلى السلطة وأرادت أن تقدم على تجربة عملية تقيس من خلالها مدى تماسك نظام فاروق وقوته؛ فأقدمت على إرباكه بحريق القاهرة -كما تشير مصادر كثيرة من غير جزم- ففي صبيحة يوم 26 من يناير 1952م فزع الجهاز الأمني لإخماد الحرائق المنظمة التي اندلعت في وسط القاهرة وأكلت معظم مفاخرها المعمارية التي شيدت في مراحل البناء والنهضة الخديوية بدءاً من محمد علي وإسماعيل وتوفيق وانتهاء بفؤاد وفاروق؛ لكن الفاعل ما زال سراً مغلقاً في ذمة التاريخ، ولم يؤد هذا الحادث الجلل أيضا إلى انهيار النظام الملكي كما كانت الجماعة تظن أو تعتقد لتقفز سريعا إلى كرسي الحكم من خلال كتائبها النائمة وخلاياها المتربصة بالحدث، وهنا أيضا تنبه الضباط الأحرار إلى ضرورة البدء بضربة استباقية لقطف ثمار التنسيق والعمل السري، خشية أن تعاود جماعة الإخوان القيام بعمل انقلابي أكثر تأثيراً من حريق القاهرة، ويتبين من هذا التسابق بين الجماعة والضباط الأحرار التوجس الساكن في النفوس بينهما قبل قيام الثورة، وخشية كل فريق من الآخر، وأن ما جمع بينهما ليس اقتناعا مطلقا من الضباط بفكر الجماعة وتوجهها؛ ولكنها الحاجة الماسة إلى ثقل الجماعة في الأوساط الشعبية وإلى أعضائها المنتشرين في كل مكان من مصر، وهو الأمر نفسه أيضا عند المرشد وأعضاء مجلس الإرشاد؛ فلم يكونوا مرتاحين كل الارتياح إلى الضباط الأحرار؛ ولكنها الرغبة في الانتقام من فاروق ونظامه والوصول إلى مزيد من الحضور في الساحتين السياسية والشعبية بالتحالف مع حركة الضباط الأحرار التي عجلت هي أيضا بثورتها قبل وقتها المقرر؛ ربما خوفا من انكشافها أو خشية من إقدام الجماعة على فعل ثوري يصعد بها وحدها إلى القمة!
تمت ثورة 23 يوليو 1952م ومضت سنتا عسل بين الجماعة والضباط الأحرار؛ والهاجس الكامن عند مجلس الإرشاد والمرشد في القفز إلى مركز القيادة لا يبارحهم؛ وليس المشاركة فقط مع الضباط كما هي الحال بعد قيام ثورتهم!
دبرت الجماعة -كما يشاع- اغتيال جمال حين كان يلقي خطابه في الإسكندرية بمنشية البكري في 26 أكتوبر 1954، وقد أنكرت هذا الاتهام وادعت أنه هو من دبر ذلك لإبعادها عن الساحة والمشاركة في الحكم، واستمر هذا الإنكار طويلا إلى أن اعترف المتهم الثالث «خليفة عطوة» بمشاركته فيها بتكليف من عبد القادر عودة، القيادي في الجماعة، والذي أعدم بسبب هذا الاتهام مع عشرات من البارزين من أعضاء الجماعة، وأمر عبد القادر بحل الجماعة وإغلاق مكاتبها واعتقال ومحاكمة أعضائها، وهذا هو الحل الثاني بعد أن حلت عام 1948م في عهد فاروق.
لجأت الجماعة إلى العمل السري بعد عام 1954، ثم قررت الرحيل إلى الأقطار العربية هروبا من الاضطهاد بعد 1965م لتنشر فكرها وتؤسس لها أتباعا خارج القطر المصري، ولتبدأ الاستعداد لجولة سياسية قادمة حين تواتيها الفرصة التي طالت إلى أن قفزت إلى الواجهة في ثورة 25 يناير 2011م. وللحديث صلة.
moh.alowain@gmail.commALowein@