تضج وسائل الإعلام الأمريكية هذه الأيام بالحديث السلبي عن الرئيس باراك أوباما، وهي فرصة الماسية لخصومه من المحافظين الجدد، ومن لف لفهم، فهؤلاء لم يكنوا له الود يوماً، من منطلقات عنصرية بحتة، وأعتقد أن أوباما، وبما يملكه من حصيلة معرفية، وذكاء وقاد يعلم ذلك جيداً، فخصومه من النوع الذي لن يرضى عنه، ولن يشيد به مهما فعل، لأن موقفهم منه شخصي، وسطحي، ويمثل هؤلاء المذيع اليميني الشهير، والأحمق رش ليمبو، ومذيعو قناة فوكس اليمينية المتطرفة، والتي يملكها البليونير روبرت مردوخ. ومن طرائف قناة فوكس التي لا تتنهي، أنها استضافت المفكر رضا أصلان قبل أسابيع، وسألته المذيعة عن كتابه الأخير عن المسيحية، والنبي عيسى، وقبل أن يجيب عاجلته المذيعة الحمقى قائلة: «كيف تجرؤ على تأليف كتاب عن المسيحية وأنت مسلم»؟!!، وهو الأمر الذي تحدثت عنه، وتندرت عليه وسائل الإعلام الأخرى الرصينة، كما تفعل دوماً مع شطحات قناة فوكس!، وهؤلاء المحافظون لا يتوقفون عن نقد الرئيس أوباما، والآن يرون أن الفرصة سانحة لهم لتصعيد النقد، وذلك بعد مواقف أوباما التي تبدو مترددة، ومرتبكة فيما يخص الكثير من قضايا البؤر المتوترة حول العالم، وبالذات الوضع المصري، والسوري.
مشكلة المحافظين الجدد أنهم لا ينطلقون في تأثيرهم على مجريات السياسة الخارجية الأمريكية من منطلقات فكرية، أو وطنية، بل من منطلقات أيدولوجية بحتة، زرعها في رؤوسهم المفكر الألماني شتراوس، فهم تلامذة مخلصون في مدرسته السياسية العتيدة، والتي تزعم بأن الشعوب صنفان: أغلبية من الرعاع، وقلة نادرة من القادة الذين يقودون الرعاع!، كما يؤكد نظرية شتراوس على أن الزعيم الناجح هو الذي يخشاه الناس، وليس بالضرورة أن يحترموه!، ولذا وجد المحافظون الجدد ضالتهم في الرئيس السابق بوش الابن (2000-2008)، والذي يتميز بالضحالة الفكرية، والسطحية المفرطة، ولم يشفع له للوصول لرئاسة الإمبراطورية الأمريكية إلا انتماؤه لعائلة بوش العريقة، وبالذات والده السياسي المحنك، الرئيس السابق بوش الأب (1988-1992)، وقد تولى فريق المحافظين الجدد كبر السياسات الكارثية لبوش الابن، وذلك بزعامة نائبه ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومن ورائهم القوة الضاربة ممثلة بالسيد بول وولفوتز، وأمير الظلام ريتشارد بيرل، وغيرهم من عتاة المحافظين الجدد، وهي الفترة التي لا تزال الولايات المتحدة تعاني من آثارها حتى اليوم.
أسمع، وأقرأ كثيراً عن اتهام الرئيس أوباما بالضعف، والتردد، وهذا ما يصبو إليه خصومه من المحافظين، ولكن الحقيقة الموجعة للمحافظين هي أن أوباما ليس بوش، فهو عصامي متعلم، وعميق الثقافة، ويصعب على أي كان أن يوجهه، ناهيك عن أن يفرض عليه رؤيته، كما أنه لا يمكن أن يغامر بدخول حرب وفق أجندات أيدولوجيه لا تخدم المصالح الأمريكية، كما فعل المحافظون الجدد زمن بوش الابن، وأوباما يردد دوماً بأن سياسته تسيرها المصالح الأمريكية وحسب، وربما أن موقفه مما جرى في مصر أخيراً، وتأخره في التدخل العسكري في سوريا يسير في هذا الإطار، هذا على افتراض حصول التدخل العسكري في سوريا، وأرجو أن لا يتفاجأ أحد فيما لو قرر أوباما تأجيل أو الغاء التدخل في سوريا متى ما رأى انتفاء المصلحة الأمريكية من جراء ذلك، وسواء اتفقنا مع أوباما، أو اختلفنا فإننا نؤكد أنه، وهو ابن المهاجر الكيني، يعمل لخدمة المصالح الأمريكية، بينما يعمل خصومه من المحافظين الجدد، وهم الأمريكيون الأقحاح، وفق أجندات تضر بالمصالح الأمريكية في كثير من الأحيان، فيا للمفارقة!
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2