حصل التعارف بيني وبين المرحوم -بإذن الله- سليمان الفليح في أواسط العام 1970م في دولة الكويت بحكم زمالة العمل، ومع الأيام توطدت تلك العلاقة الأخوية بيننا لدرجة أنني أزعم أنني الأقرب إلى نفسه من غيري وكنت أتردد عليه حتى بعدما تركت الكويت عام 1980م وكان ينتظرني بفارغ الصبر.
كما أزعم أنني من المقربين لجميع أسرته صغاراً وكباراً. وكان يسر لي بأمور شخصية كثيرة وأنا كذلك وكنت أختلف معه أحياناً كثيرة وأقاطعه لبعض الوقت وقلبي يتقطع على لقائه وأعود من تلقاء نفسي ونعود لما كنا عليه من محبة صادقة ومودة خالصة.
وكلما زرت الكويت فمنزل أبو سامي -يرحمه الله- محطتي الأولى إلا نادراً، حيث أحرص على إصلاح سيارتي لدى المعلم إنطانيوس وكان أبو سامي يتندر بذلك كلما التقينا ما أخبار القديس إنطانيوس؟
وفي ديوانه الثاني (الغناء في صحراء الألم) أهدى إليّ قصيدة سماها (احتشاد) وقدم لها بقوله: (إلى عبدالعزيز الشمري هذا الطويل الذي عندما لا يجد شيئاً يسخر منه يحدق في قامته الطويلة ويضحك).
وفي إحدى الليالي وبالصدفة استمعت لبرنامج نقد أدبي في إذاعة مونت كارلو حيث كانوا يناقشون فيه قصيدة المرحوم (احتشاد) ومما قاله أحدهم (أن هذه القصيدة من أصدق أنواع البوح بين الأصدقاء).
ولا يعلم إلا الله كم سعدت لما قيل في هذا البرنامج أكثر من سعادتي بالقصيدة ذاتها.
وكانت بدايات أبو سامي الصحفية في صحافة الكويت في مطلع السبعينيات الميلادية بالاسم المستعار (سيمون) ثم بدأ يكتب باسمه الصريح بجريدة السياسة، وفي مرحلة لاحقة منع من الكتابة فلجأ لاسم مستعار آخر هو (الصادق الصحراوي وعندما تزوجت عام 1982م كتب في جريدة السياسة الكويتية خبراً مقتضباً تحت صورتي قال فيه: (وأخيراً تزوج عبدالعزيز الشمري بعد 40 خطبة فاشلة منه ومنهم)، وسألني أكثر من شخص كيف تسكت على هذه الإساءة؟ فأجبتهم جميعاً بأنها الحقيقة وأجزم بأنه من أسعد الناس لزواجي لأنه اجتهد كثيراً (لأن أكمل نصف ديني) ورشح لي أكثر من واحدة للزواج لكن النصيب كان لأم فيصل والحمد لله على ما كتب الله.
وكنت أتبادل معه المعلومات العامة والخاصة باستمرار وبدون مقدمات أو تمهيد وهاتفته ذات مرة بعد أن علمت بوفاة أحد الأدباء لأسجل سبقاً في المعلومات فقال لي: وش هالبشارة؟
فأجبته: أنت يا أبو سامي صاحب واجب وأخبرك لتقوم بواجب الرثاء لزميل الحرف.
فقال: لدي مراثي جاهزة للجميع بما في ذلك أنا وأنت.
ولم يمهله القدر ليرثي نفسه كما فعل مالك بن الريب التميمي في بكائيته المشهورة وترك لنا ذلك والله المستعان.
إن وفاة سليمان الفليح فاجعة بالنسبة لي ولكثيرين غيري من الأقارب والمقربين ناهيك عما حل بأبنائه وبناته ورفيقة دربه الصابرة أم سامي، أعانهم الله جميعاً من هول الصدمة المفاجئة.
وعزاؤنا أن الأولاد والبنات بلغوا مرحلة النضج ومن الأبناء كتاب وشعراء وهذه سنة الله في الخلق ومن يذكر في الدنيا بخير سيجد الخير والرحمة والرضوان عند الله.
واهتمامات الفليح أدبية بالدرجة الأولى ويحرص على اقتناء كتب المستشرقين ويقرأ بنهم شديد وتمعن في كل ما يكتبه المستشرقون، كما أنه ملم بسلوم القبائل العربية فيما يخص الضيافة والجوار والحقوق والواجبات وقد تعلمت منه الكثير لأنه يعتبر مرجعا في الأدب والتراث.
وسليمان الفليح لمن لا يعرفونه عن قرب نقي السريرة يتقطع قلبه ألماً لفواجع الأمة العربية المتتالية والمستمرة وقد تكون هي سبب تحول جسده لدرجة الهزال وإن تكرش مؤخراً بحكم تقدم السن واليأس التام من إمكانية صلاح أو إصلاح الوضع العربي المتردي.
رحمك الله يا أبا سامي رحمة واسعة وأبدلك داراً خيراً من دارك وأهلاً خيراً من أهلك والحمد لله على ما كتب الله، نجزع لفقدك ولا نعترض على أمر الله.
- مدير الشؤون الإدارية بشركة الموارد التجارية المحدودة