Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 02/09/2013 Issue 14949 14949 الأثنين 26 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

فجرت الثورات العربية أوجه الاختلاف والخلاف في وعي الإنسان العربي، وظهر الصراع في كامل صورته مثلما كان في زمن الفتنة قبل عام الجماعة، عندما اصطدم المجتمع العربي بقسوة الوعي الديني الأصولي ممثلاً في الخوارج وتفسيراتهم الحرفية والنصوصية للحياة، كان ثمن الخروج منها العودة إلى حكم القبيلة، وإلى دولة تقوم أولاً على العصبة القبلية، وتتعامل مع الدين من خلال رؤية سياسية، وكان الافتراق الذي طال أمده بين التفسير الأصولي للدين، وبين قوى المجتمع العربي، كان الانتصار فيه على مختلف العصور للجماعة التي كانت تمثلها القبيلة بكل ما تعنيه الكلمة.

في زمن الربيع العربي ظهرت أزمة الافتراق مرة أخرى، بعد أن ظهرت خشية بعض فئات المجتمع من حاكمية الوعي الديني الصارمة، والذي يمثلها الأخوان المسلمون في هذا العصر، لكنها تشمل اتجاهات دينية تختلف شعبيتها من مكان لآخر، ففي مصر والشام تحظى جماعة الأخوان بالشعبية عند مقارنتها بالحراك السلفي وجماعات الإسلام الجهادي، بينما ترتكز شعبية السلفية الحركية في معظم أجزاء جزيرة العرب، وفي العراق تتنازع الطوائف الدينية ممثلة في الشيعة الأصولية والسلفية والأخوان على صدارة الوعي الديني الإقصائي.

يعتمد الوعي الديني الحالي على الانغلاق الفكري، والعيش في حلقات دائرية مغلقة داخل المجتمع، من علاماتها الاهتمام بالمظهر الذي يدل على التدين، والانعزال عن الإعلام، وحصر الاطلاع على الأشرطة الدينية، وفي قراءة المطبوعات الدينية في مواجهة مختلف أنواع الإنتاج الثقافي الأخرى، ومشاهدة القنوات الفضائية الدينية في ظل مقاطعة أجهزة الإعلام المفتوحة على مختلف الأطياف، والتحكم في الإتباع بفرض تفسيرات حرفية للنصوص، والتشديد على قطعية دلالاتها، وينتج عن كل ما سبق إقصاء تام للآخر، قد يصل إلى حد التعنيف في التعامل معه، وإلى درجة تصنيفه خارج تلك الدائرة الإيمانية.

ولّدت هذه الرؤية الانعزالية حالة من القطيعة مع الآخرين في المجتمع، وإلى تقسيم المجتمعات إلى أقطاب متنافرة في الوطن، وأصبح حل الخروج من تلك الأزمة منحصراً في إقصاء أحدهما للآخر، وقد ظهر ذلك بوضوح في تجربة الجزائر ومصر، وذلك عندما قام الجيش بدور القبيلة في مواجهة الفهم الآحادي والتفسير الإقصائي للدين، وفي ذلك امتداد لحالة العداء القديم بين هذا الفصيل وبين القبيلة في تاريخ العرب، والتي كانت دائما ما تنتصر في مواجهة الوعي الديني الأصولي، إلا في بعض حقبات حكم الخوارج في بعض المناطق النائية عن مراكز الحضارة العربية.

يظهر في ثنايا هذا الانفصام، الخلاف القديم حول تعريف ولاة الأمر، وهل هم الفقهاء أم الحكام ؟، ولأسباب يصعب تفصيلها في هذه العجالة، رفض العرب طوال تاريخهم ومنذ زمن الفتنة الأولى وعام الجماعة أن تكون ولاية الأمر لعلماء الدين، وإنما للعصبية والقبيلة، كذلك ظهر ذلك في تاريخ تركيا الحديث، وذلك عندما رفض الجيش التركي مدعوماً بقوى شعبية وصول مشروع النهضة على الطريقة الأربكانية الأصولية من الوصول إلى السلطة، بينما قبل بمشروع أردوغان النهضوي عندما تنازل عن فرض الوعي الديني الإقصائي كمنهج للحياة العامة على الأتراك، وقبل بمنهج المدنية والليبرالية والتعددية، لكنه اعتمد في طريقة للحكم على النجاحات الدنيوية، وعلى محاربة الفساد المالي والإداري، وامتنع عن فرض تفسيراته الدينية التي يعتقد أنها الحقيقة المطلقة، وذلك لأن الدين حمّال أوجه، ويحتمل تفسيرات متعددة.

لذلك يحتاج الإسلاميون العرب، المؤدلجون بحاكمية نصوص الدين كما فهمها القراء أو الخوارج في عام الجماعة، أن يدركوا أن المنهج الأصولي والحرفي التفسير، لم ينجح في صدر الإسلام وما تلاه من قرون، وبالتالي لن ينجح في العصر الراهن، وقد يواجه بالإقصاء المضاد في المستقبل، وعليهم أن يتعلموا الدرس جيدا من التجربة الإسلامية التركية والماليزية، وإذا أصروا على الاستمرار في النهج الإقصائي، سيخسرون جلّ مواجهاتهم القادمة ضد قوى المجتمع والمتمثلة في القبيلة أو الجيش أو غيرها من القوى المدنية، مثلما خسرها أسلافهم خلال أربعة عشر قرنا.

بين الكلمات
أزمة الوعي الديني عند الإسلاميين العرب
عبدالعزيز السماري

عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة