فهمنا أن موضوع الفساد المالي لم يقتصر على جهة معينة، بل شمل كل الجهات، ابتداءً من وزارة العدل والشؤون الاسلامية إلى وزارة الصحة والتعليم، مروراً بالأمن. وفهمنا أيضاً أن مبالغ الفساد تصل الى ملايين الريالات، ومبرر الفاسدين أن هذه هي خبطة العمر، يا تصيب يا تصيب! وفهمنا بعد ذلك كله، إن إجراءات إنزال العقوبات الملائمة بهؤلاء، تأخذ اشكالاً بيروقراطية غير مفهومة، مما يفتح الباب لمزيد من الفساد، وليس بالضرورة من فئة الملايين، بل ربما ساعة ذهب قد تفي بالغرض!
في جدة، عقدت المحكمة الإدارية الأسبوع الماضي، أولى جلساتها لمحاكمة قيادي في مديرية المياه والصرف الصحي بمنطقة مكة المكرمة بتهمة الرشوة. وتضمنت لائحة الاتهام، طلب وأخذ مبالغ نقدية و5 سبائك ذهب وهاتف وساعة يد نسائية وأخرى رجالية ومبلغ 280 ألف ريال وشنطة بها عطور وأطقم، مقابل تسهيل وإنهاء معاملات عدد من الشركات والمؤسسات المرتبطة بمشاريع مع المديرية.
هؤلاء المرتشون الصغار، وهم كثيرون وفي كل القطاعات دون استثناء، لم يتوالدوا إلا بسبب وجود الفاسدين الكبار، وبسبب عدم فاعلية كشفهم وعدم فاعلية عقاب من أُكتشف منهم. وسوف لن نقضي عليهم، إلا إذا اعتبرتهم الدولة إرهابيين من الدرجة الأولى، بل أكثر خطراً من الإرهابيين. فالإرهابي يقتل خمسة أو عشرة أشخاص، في حين أن الفاسدين يقتلون الوطن بأكمله.