لم تكن الجماعة منذ بداياتها الأولى حين أنشاها حسن البنا عام 1928م بعيدة عن الشأن السياسي أو غير حفية به؛ بل إن مؤسسها البنا كان تواقا إلى الانخراط في العمل السياسي والإسهام في الحياة النيابية؛ فرشح نفسه للانتخابات مرتين عن دائرتي الدرب الأحمر والمحمودية؛ ولكنه لم يفز في أي منهما.
وحين عين مدرسا بالإسماعيلية بعد تخرجه 1927م فكر في تأسيس جماعة تعنى بتربية النشء تربية إسلامية؛ فاتفق مع ستة من الشباب على ذلك، وأعلن عن تأسيس الجماعة عام 1928م وكانت بدايتها دعوية خالصة، تجوب النجوع والقرى والبلدات، يتحدث البنا في أثنائها إلى الناس حديث مودة وألفة بأسلوب جديد لم يعهدوه عند من سبقه أو عاصره من الواعظين، وهكذا وجدت الجماعة لها أنصارا وأتباعا وعلى الأخص من طبقة الشبان والمتعلمين، ولم يكن الشأن السياسي واردا حينذاك في الخطاب الفكري لمؤسسها، ولم يعمل على إظهار اهتمامه بالقضايا السياسية إلا بعد أن انتشرت أفكار الجماعة وتكاثر أتباعها في كل القطر المصري وأصبح لها مكاتب وفروع ومجلة ناطقة باسمها وتعاليم ورسائل يوجهها البنا إلى أعضاء الجماعة بين حين وحين.
أدرك النظام الملكي طموحات الجماعة السياسية بعد أن تكون لديها ما سمي بدءا «الجوالة « أو عسكر الإخوان، وأخذت الجوالة - وهي تنظيم مواز للكشافة - شكلاً خاصاً عرفت به وألقيت إليها مهمات تنهض بها بعد أن نالت تدريبات عسكرية شاقة في الخلوات والبراري على الهجوم والدفاع والرمي والإنقاذ وغير ذلك من فنون العسكرية، حتى غدت الدرع العسكري للجماعة في مناسباتها واحتفالاتها وتثبيت هيبتها الاجتماعية ومكانتها عند حكومة الملك فاروق؛ ولعل في سرعة نمو الجماعة وكثافة حضورها الدعوي وتحركها السياسي من خلال ما يكتبه الأعضاء في مجلتهم، وما يتحدث به البنا في لقاءاته وكلماته في المناسبات الوطنية والسياسية ما أشعر الملك فاروق بخطورة الجماعة؛ فامتلأ قلقاً من قفزها على السلطة من خلال تغلغلها في الجيش وتأثيرها على كثير من المثقفين وأصحاب المال وطبقات الشباب، وقد تأكد له خطر الجماعة جليا من خلال مشاركتها القوية بكتائبها ومجاهديها في حرب فلسطين 1948م، فقرر التخلص منها بحلها وإقفال مكاتبها ومصادرة ممتلكاتها واعتقال البارزين من أعضائها، وأمر رئيس الوزراء النقراشي باشا بإصدار هذا القرار، وهكذا أقدم النقراشي على إعلان قراره في 8 ديسمبر 1948م بحل الجماعة؛ ولكنه ذهب ضحية هذا القرار؛ فبعد عشرين يوما فقط من إعلان قرار الحل 28 ديسمبر 1948م أطلق عبد المجيد أحمد حسن أحد أفراد ما يسمى النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين ثلاث رصاصات على ظهر النقراشي وهو يهم بركوب المصعد.
الحق أن الجماعة دخلت عنوة بعد قرار الحل ربما في وقت لم تكن تريده ولا مهيأة له إلى المعترك السياسي بعنف؛ فلم تغب عن الساحة السياسية بعد الحل واغتيال النقراشي؛ مارس أعضاؤها شيئا من نشاطاتهم من خلال الجماعات الأخرى كجمعية الشبان المسلمين التي سبقتهم في النشأة بسنة، وهو ما دفع الملك فاروق إلى اتخاذ قرار اغتيال حسن البنا انتقاما لمقتل رئيس وزرائه وتخلصا إلى الأبد من الجماعة ومؤسسها، وقد تم اغتيال البنا في الساعة الثامنة من مساء السبت 12 فبراير 1949م حين كان خارجا لتوه من جمعية الشبان المسلمين فأطلقت عليه رصاصات تحت إبطه من السيارة رقم «9979» التي عرف فيما بعد أنها للأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية كما هو ثابت في مفكرة النيابة العمومية عام 1952م.
وإذا كان قرار المشاركة في حرب فلسطين هو المؤشر لنضج الجماعة عسكريا وسياسيا بعد عشرين عاما من نشأتها؛ فإن قرار حلها يعد الخطوة المهمة في صعودها سياسيا والتجائها إلى السرية، ثم أكد ذلك قرار اغتيال مؤسسها حسن البنا، وهنا دخلت الجماعة رسميا في حرب معلنة مع النظام الملكي القديم في مصر.. وللحديث صلة.
moh.alowain@gmail.commALowein@