نشرت صحيفة الجزيرة مؤخراً ما يفيد بأن آلاف الموظفين في الدوائر الرسمية بأنحاء المملكة قد تغيّبوا أو تأخّروا عن الدوام بعد إجازة عيد الفطر، وعن سابق تجربة ومتابعة وتأملات شخصية استنتج أن الأمر طبيعي جداً ولا يمكن إلاّ أن يكون كذلك في ظل الأوضاع الوظيفية السائدة، ولكن في البداية لا بد من الإشادة برؤساء عمل يعدّون مثالاً للجد والعمل المخلص، وأنهم مهنيون ويعطون كل ذي حق حقه، من هؤلاء ما حدثني عنه أحد الأصدقاء حين قال: إن المدير العام في دائرته لا يرتاح له ولا يبتسم له كغيره من الموظفين، لكنه كلما قدَّم للمدير العام اقتراحاً أو مشروع عمل يدرسه بعناية ويوجّه بالاستفادة من نقاط يراها إيجابية ويشكره عليها، ويكلفه ضمن اللجان الفاعلة داخلياً وخارجياً، ومع الوقت وجد الموظف فرصة لمفاتحة المدير عن سر تعامله الجاف معه؟ فقال: أنا لا أرتاح لك في طبعك ولكن عملك جيد، ومن الظلم أن أعاملك بمظهرك أو ببعض تصرفاتك التي لا علاقة لها بجوانب العمل، هذا نموذج جيد إلى حد كبير من المسئولين، غير أن نفور الموظفين من دوائر العمل له أسبابه التي تعود أحياناً للموظف نفسه في عدم تقدير المسئولية، لكن هناك أمور تتعلق بالمؤسسة والدائرة الوظيفية وبيئة العمل فيها فلو تأملت (بعض) الدوائر فستجد الأثاث السيئ والمرافق المتهالكة التي لا تخدم الموظفين بالشكل المطلوب والسليم، وكأن الموظف من عداد البهائم، فكلما قدمت ما يعطي للموظف كرامته وإنسانيته أعطاك وظيفياً وقدَّم إنتاجاً يبهرك، هذا مع الأسوياء ولا أتحدث عن الحالات الشاذة التي لها نظام يعالج أوضاعها، ثم إن التعامل الإداري من رب العمل أو مديره الرسمي له الأثر البالغ في نفسية المرؤوس فبعض المدراء ينسى أو يتناسى أن من بين زملاء العمل من يفوقه دراية وخبرة (حقيقية) إن لم يكن يساويه في ذلك وهؤلاء أكثرية، لكنه يتعامل معهم وكأنهم أجراء لديه وأنه رب النعمة عليهم، ويمعن بالرقابة الصارمة ولا يحضر إلا متأخراً، ويدقق في أعمالهم وهو لا يقدِّم شيئاً يُذكر سوى التوقيع، حتى في إجازته يتجسس على حضورهم وانصرافهم على حساب جودة الإنتاج، ويجعل له العيون والآذان التي ترصد وتنقل له كل حركة وكلمة في الإدارة ويقيس عليها تقييمه للحوافز من انتدابات وعمل إضافي ونحوه، حتى الابتسامات والدعوة لـ(البلوت) باستراحة سعادته لها مقاييسها من المداهنة والنفاق الوظيفي، لاسيما ذاك الذي يجيد إعداد الكبة ليلاً فهو ذو كلمة عند سعادته، بل يكاد أن يكون نائباً للمدير، أما الأقل حظاً فيعاتبون حتى على تناول الفطائر بالمكتب ومطعم الإدارة إن وجد فالجوع أهون من ارتياده، كما أن المصليات وأماكن الوضوء وبقية المرافق لا تسر ولا تؤدي الغرض، إذن كيف تريد من الموظفين التسابق على الدوائر وكأنهم يدلفون لملعب يشهد مباراة تنافسية ساخنة أو مسرحاً يقدّم نجوم الكوميديا والمرح، وهم الذين شبعوا من كوميديا المدير وبهلوانياته الإدارية المنفرة عن حب الوظيفة المبعدة عن حسن الإنجاز والإبداع والابتكار، فهم إنما يحضرون لضمان عدم الحسميات، فمن يريد موظفاً صالحاً يوجد مديراً وبيئة صالحه.
t@alialkhuzaimIbrturkia@gmail.com