استمتعت بمتابعة الإعلامي الشهير الأستاذ غالب كامل، في برنامج «وينك» الذي تبثه قناة روتانا خليجية، وقبل أن أدخل في الموضوع الأساسي، لا بد من شكر القناة على فكرة هذا البرنامج «الوفي» الذي يبحث عن الأشخاص ممن ابتعدوا عن الإعلام بعد أن كانوا في أيام مضت في بيوت ونفوس كل الناس.
رأيت أن الحلقة التي كان ضيفها غالب كامل، تستوجب التوقف عندها ونقاش بعض مما ورد فيها كحالة عامة لا تخصه وحده. ومن هنا قد تكون قضية التقاعد التي تناولتها في عشرات المقالات السابقة، تجعلني اليوم أعيد التذكير بأهمية العلاوة السنوية للمتقاعد، فهي مهمة من ناحية الاحتياجات المادية من جهة، ومن ناحية نفسية في عدم إشعاره بتوقفه عن الحياة الطبيعية من جهة ثانية، وفي هذا السياق وبكثير من علامات التعجب، أن يعيش رجل بحجم غالب كامل، هذا الإعلامي الذي يسكن وجدان كل سعودي، وغير سعودي عاش بالسعودية كرمز وعلامة وضاءة في أفئدتنا، أن يعيش براتب لا يتجاوز 7000 ريال، وهو في هذا السن، وبعد كل هذا العطاء في مشوار عظيم ودرب يحكي مراحل تاريخية من حياة المملكة، أعطى غالب كامل لكننا لم نكن أوفياء معه ولا مع غيره من المتقاعدين سواء في الإعلام أو آبائنا في القطاعات الأخرى.
يعيش غالب كامل وحيدًا، وهو لا زال أليقًا في حالة تكشف درجة من المحسوبية التي تنهش في قطاع الإعلام، بل في كل القطاعات. رجل يحمل كل هذه الخبرة نتنازل عنه بسهولة ليبقى في بيته وهو لا زال قادرًا على العطاء، بل إن الاستفادة منه ومن أمثاله ليس لأجل رد الجميل، بل لأن الإعلام بحاجته بعد أن أصبحت الشاشة السعودية تتلقّف عينات مليئة بالركاكة والضعف وكذلك عدم القبول الجماهيري، وهؤلاء بحاجة ماسة إلى التدريب والتعليم ليصبحوا قادرين على مواجهة الشاشة، ومثل غالب كامل مدرسة متكاملة فلماذا تُهجر أدراج هذه المدرسة وفي جعبتها كثير من بحور العلم والمعرفة؟ مشكلة غالب كامل وأمثاله عدم إجادة مسح الجوخ والتزييف والانبطاح، وإلا لرأيناه الآن في موقع غير الذي يجلس به، ولكان دخله الشهري أعلى بكثير جدًا مما هو عليه الآن، لكن إشكالية المحسوبية قضت على كثير من الكفاءات، وهذا ما أضر بالمجتمع الذي يحتاجهم أكثر مما هم يحتاجوه. وبكل صراحة المحسوبية باتت ثقافة ممتدة لا تواجه أي محاولات لتقليصها، وتعبث في الإعلام بكل وسائله الخاصة والحكومية وهذا ما يجعلنا نصل إلى عدم العدالة بين الكفاءات، وظهور الأقل على حساب الأكفأ باسم المحسوبية والمحبة والقرب ودرجة الرضا!
إن غالب كامل وإن كانت صورته عن الشاشة طواها عدم وفائنا، إلا أن صورته وصوته باقيتان في محبة الناس له، وقليل جدًا أن يُجمع كل الناس على محبة شخص، لكنني أتوقع هذا مع غالب كامل، الذي أعتذر له نيابة عن المحسوبية التي ظلمته وعن الأنظمة المجحفة بحق المتقاعدين، وكذلك عن داء قلة الوفاء!
www.salmogren.net