“النساء شقائق الرجال” حديث نبوي، ردده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رعاه الله - في أكثر من مناسبة، وهو دليل على حرصه على تنفيذ التوجه الإسلامي الوارد في هذا الحديث الشريف، وهو يعني أن المرأة في الشريعة الإسلامية كالرجل بالنسبة للحقوق والالتزامات، باستثناء الأمور التي لا تتناسب مع طبيعة المرأة وكرامتها وعقيدتها بعد أن كانت في عصر الجاهلية تُعامَل بطريقة غير إنسانية، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كرم المرأة، وحفظ لها إنسانيتها وما تقدمه من عمل وجهد لمجتمعها؛ فقد أثنى عليه الصلاة والسلام على أُمّ المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها - لغزارة علمها وذكائها رغم صغر سنها، فقال للمسلمين “خذوا دينكم عن هذه الحميرا”، كما أثنى على نساء الأنصار قائلاً: “نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين”، كما أنه استقبل عليه الصلاة والسلام الشاعرة العربية المشهورة (الخنساء)، واستمع إلى شعرها، بل إن شعرها قد أعجبه عليه الصلاة والسلام، وكان كلما سمع مقاطع من شعرها حثها على المزيد منه بقوله صلى الله عليه وسلم “هيه يا خناس”.
ومن هذا المنطلق اهتمت بلادنا بالمرأة وتعليمها وحفظ حقوقها واحترام إنسانيتها؛ ففي سنة 1380هـ دخلت المرأة السعودية سلك التعليم عندما قرر الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - بداية التعليم النظامي للفتاة السعودية رغم وجود من يعارض ذلك حينذاك انطلاقاً من العادات والتقاليد التي كانوا يعيشونها، وهي ليست من الدين على الإطلاق؛ ذلك أن عقيدتنا الإسلامية جاءت بالحنيفية السمحة “بُعثت بالحنيفية السمحة”، وباحترام حقوق الإنسان، سواء كان امرأة أو رجلاً، بل إن ديننا الحنيف حفظ حقوق المخلوقات الأخرى من غير البشر كالدواب والنبات والطرقات، فقد حث الإسلام عند تذكية الحيوان بالبدء باسم الله - عز وجل - لما يؤديه ذلك من الطمأنينة، ثم التذكية بطريقة مريحة، ثم عدم إطلاق الحيوان حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة بخلاف ما نشاهده اليوم في الكثير من الدول التي تلجأ إلى طرق قاسية في ذبح الحيوان كالصعق الكهربائي والخنق، ونحوهما.
وبالنسبة لحفظ الإسلام لحق النبات فقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث شريف في هذا الشأن، هو: “إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم شجرة فلا يتركها حتى يغرسها” رواه البخاري، بالرغم من أن تلك المرحلة تمثل اللحظات الأخيرة للحياة على الأرض. وبالنسبة لحق الطريق فقد حدده عليه الصلاة والسلام في ثلاث خصال حميدة، هي “رد السلام وغض البصر وإماطة الأذى”.
وبعد أن تولى الملك عبدالله مقاليد الحكم بتاريخ (26-6-1426هـ) كان لحقوق المرأة السعودية نسبة كبيرة من اهتماماته، ومن ذلك مثلاً في مجال الدعاوى القضائية للمرأة وجَّه - أيده الله - بالآتي:
- إيجاد أقسام نسائية في المحاكم وكتابات العدل، بإشراف إدارة نسائية مستقلة.
- تزويد المرأة بصورة من جميع الوثائق التي تخصها كالوثائق المالية وعقد النكاح حماية لحقوقها.
- معالجة أي مماطلة تتعلق بحقوق المرأة في المحاكم أو غيرها.
- منع أي عنف تتعرض له المرأة من ولي أمرها أو أحد محارمها بسبب قيامها برفع دعواها وتوقيع العقوبة المناسبة لمن يقوم بذلك.
- ضرورة قيام الجهة الإدارية المختصة بمتابعة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بشأن المرأة، ورصد حالات التهاون والتسويف والتعطيل لهذه الأحكام.
- العمل على توسيع دائرة وعي المرأة بحقوقها من وسائل التوعية المختصة.
إذاً، فإن حقوق المرأة السعودية، سواء في مجال التعليم أو القضاء أو غيرهما، تُعتبر محل الحرص والتقدير من قائد الإصلاح. ولقد أثبتت الأيام أن قرار الدولة بتعليم المرأة كان حكيماً وصائباً؛ فالمرأة المتعلمة اليوم تساهم في تطور وتقدم بلادنا، كما يساعدها ذلك على تربية جيل واعٍ ومدرك لحقوقه وواجباته تجاه دينه ووطنه، فلولا تعليم المرأة السعودية لكانت بلادنا معتمدة حتى الآن في إدارة المرافق النسوية كالمدارس والجامعات والمستشفيات بدرجة كبيرة على الخبرات غير السعودية في تعليم الفتاة السعودية ومعالجة المرأة السعودية.
لقد توّج خادم الحرمين الشريفين حقوق المرأة التعليمية في بلادنا بالبدء في إنشاء الجامعات الخاصة بالبنات عندما تم إنشاء أول جامعة للبنات؛ إذ قام - رعاه الله - في لفتة تصب في تعزيز حقوق المرأة بتسميتها (جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات بالرياض)؛ وذلك لجهود الأميرة نورة - وهي الأخت الكبرى للملك المؤسس رحمهما الله، وعمة الملك عبدالله وإخوانه الكرام في مرحلة التأسيس - إذ كانت دائماً مصدر تشجيع وطمأنينة للملك عبدالعزيز؛ فقد كانت تطمئنه عندما يحصل له تراجع في إحدى خطوات التأسيس بقولها “إذا فاتت هذه لن تفوت الثانية بإذن الله”. وكان الملك عبدالعزيز تقديراً منه لشقيقته الوفية يتفاءل باسمها عند حدوث أحد المواقف الحرجة بقوله “أنا أخو نورة”.
ولعل هذه التسمية لأول جامعة للبنات تُحَفّز وزارة التربية والتعليم على تسمية مدارس البنات في التعليم العام بأسماء الرياديات في العصور الإسلامية وفي عصرنا الحاضر، كأسماء أمهات المؤمنين وبنات الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابيات الجليلات، ومن ساهمن في إثراء الحياة الأدبية والعلمية والاجتماعية في مختلف العصور الإسلامية.
وأخيراً، نشير إلى قفزة كبيرة في مجال حقوق المرأة السعودية وفتح المجال لها للمشاركة في بناء بلادها وتقدمها عندما قرر الملك عبدالله إدخال المرأة السعودية في عضوية مجلس الشورى باختيار ثلاثين امرأة سعودية في عضوية المجلس الذي شُكّل بنهاية شهر صفر من العام الهجري الحالي، أي بنسبة (20 %) من مقاعد المجلس الذي يضم كذلك (130) عضواً من الرجال.
حفظ الله الملك عبدالله، وأمدّه بعونه وتوفيقه لما فيه خير عقيدتنا وبلادنا والشعب السعودي.
info@alsunidi.com.saحائل