لا يكاد مجلسٌ يلتئم ولو من ثلاثة أشخاص في أيِّ بقعةٍ أو مدينةٍ على سطح الأرض إلا وقد استقرّ في أذهان أصحابه أن لديهم من العلم والحصافة والحنكة ما يجعلهم أهلاً لحلِّ جميع المشكلات والفصل في أعْقد المعضلات، هذا الشُّعورُ المبسطُ في النَّظرِ إلى القضايا من خلال المشكلة الأصلية هو غالبًا من يحرف الفردَ أو المؤسسةَ أو المجتمعَ عن تداخلات المشكلات وتقاطعاتها، وغالبًا ما يُعطِّل الحلولَ كافة ويحوِّلها إلى محركات لإنتاج مشكلات جديدة.
التحليل النظري الساكن غالبًا ما يجعلنا نطمئن لسلامة الحلول المبسطة، ولذا فإننا اليوم أمام منافسة حادة في الحصول على كفاءة المعلومة والتحليل، والأهمّ منهما الإبداعُ في ابتكار الحلول والتجرُّد من العقلية المؤسسية التَّقْليدية التي تنظر إلى المشكلة باعتبارها ملكًا خاصًا وميدانًا للإِنْجاز المنفرد، أو تلك الرّؤية التي ترى فيها عيبًا وعارًا يجب وأده لكيلا يلطخ سمعة المؤسسة المعنية بغض النَّظر عن العواقب.
يروى عن الحكيم الهندي غاندي أنّه أسرع ذات يوم في اللحاق بقطار ينقله بين مدينتين أيام الاحتلال البريطاني للهند فسقطت فردة حذائه من فرط سرعته وقفزه إلى عربة القطار لكي لا يفوته، فما كان منه إلا أن رمى بالفردة الأخرى إلى جانبها والقطار يمضي إلى طريقه، كان الركاب في حالة ذهول من تصرف ذلك الهندي النحيل، وحين سألوه عن المبرر قال لهم: لو احتفظت بها فلن تنفعني ولو وجد الفردة الأخرى غيري فلن تنفعه، فاخترت أن أحول مشكلة حذائي إلى حلٍّ لشخصٍ آخر!
هذا البعدُ النفسيُّ والتحليليُّ لرؤية وتقييم المشكلة، ثمَّ التعاطي معها يمكن أن يستثمر في كثيرٍ من المشكلات التي تحيط بنا كأفراد ومؤسسات ومجتمعات، وغيابه هو ما يفسّر بالمقابل طوفان الإشكالات التي تنتج في الدَّقيقَة واللَّحْظَة من كلّ حدبٍ وصوبٍ، أثناء الدِّراسة في بريطانيا أذكر أن أستاذة أخذتنا إلى مدرسة ابتدائية بعد أن عجزنا عن التعاطي مع مسألة قالت: إنّها بحاجة إلى الإبداع وعدم الانسياق خلف التفكير التَّقْليدي، وفي تلك المدرسة الابتدائية بادرت في دقائق قليلة فتاة صغيرة في ابتكار حلِّ جديدٍ لم يكن في أذهاننا جميعًا.. الدرس الذي تعلَّمناه أن القواعد التَّقْليدية في التفكير تصبح أحيانًا قيودًا على الإبداع والابتكار... والدرسُ الأعمُّ أنّ غيابَ أو ضعفَ المعلومة أو تحريفها من غياب أدوات التحليل والخروج من الصورة النَّمطية للمشكلة وتجاهل تشابكاتها غالبًا ما ينتج مشكلات حتَّى وإن كانت في دثار حلول!
عبر تويتر: fahadalajlan@