في تاريخ الولايات المتحدة، كان هناك رؤساء مؤثّرون بذاتهم، وذلك لتميّزهم المعرفي، وثقافتهم الواسعة، إضافة لمهاراتهم السياسة، وقد صنعوا تاريخاً من جراء ذلك، وهناك رؤساء آخرين مروا، ولا يكاد يذكرهم أحد، لولا ما كتبه عنهم بعض المؤرِّخين، فالرئيس التاريخي ابراهام لينكولن (1860-1865) استطاع أن يفرض رؤيته في وجوب إنهاء الرق، وخاض المعركة حتى النهاية، وذلك رغم وجود معارضة هائلة له، وكان لينكولن قبل انتخابه للرئاسة محامياً بارعاً، وعضواً في مجلس النواب، وقد خاض مناظرات سجَّلها التاريخ مع غريمه السياسي ستيفن دقلس، وهي أشهر المناظرات في تاريخ أمريكا السياسي على الإطلاق، ومن الطرائف التي تروى، عندما يتم الحديث عن لينكولن، أن رجلاً أمريكياً قال لابنه الصغير :» عندما كان الرئيس ابراهام لينكولن في مثل سنك، كان يمشي سبعة أميال إلى المدرسة»، فرد عليه الابن: «وعندما كان لينكولن في سنك، يا والدي، أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية!»، وكذلك فعل الرئيس فرانكلين روزفلت (1932-1944)، والذي أخرج أمريكا من عزلتها العالمية، وأشركها في الحرب العالمية الثانية، وحقق بالتحالف مع الزعيم البريطاني وينستون تشرشل نصراً مؤزراً في النهاية، وكذلك فعل رؤساء آخرون. فالرئيس ريتشارد نيكسون (1968-1974) كان له الدور الأكبر في الانفتاح، والتوسع في العلاقات مع الصين، وقد زارها بنفسه. هذا، على الرغم من معارضة الكثيرين لهذه الخطوة الجريئة، وأيضاً هناك رجل المخابرات القوي جورج بوش الأب (1988-1992)، والذي تجرأ ذات يوم، وذلك عندما تعنت الزعماء الإسرائيليون، وقال لهم عبر وزير خارجيته جيمس بيكر: «إذا أردتم التفاهم معنا، فأعتقد أنكم تعرفون رقم هاتف البيت الأبيض»! وقد دفع ثمن هذا غالياً، وذلك عندما أقنعت ايباك زعيم حزب الإصلاح المحافظ روس بيرو بخوض انتخابات الرئاسة لعام 1992، ليكون طرفاً ثالثاً مع بوش، ووليام كلينتون، واستطاع السيد بيرو أن ينتزع جلّ الأصوات التي كانت تزمع التصويت لبوش، فخسر الانتخابات لصالح الديمقراطي بيل كلينتون، وذلك على الرغم من أنه كان قد خرج لحينه منتصراً، ومزهواً في حرب تحرير الكويت، وفي النهاية فإن هناك فرقاً هائلاً بين أن يكون الرئيس قوياً، ومؤثّراً بذاته، كما في حالة من تحدثت عنهم، وبين أن يكون الرئيس مؤثّراً بأدواته المساندة، من العاملين معه، وتخدمه الظروف كما في حالة الرئيس ريجان (1980-198)، والذي ينسب له الفضل الأكبر في سقوط الاتحاد السوفييتي، وسجّلها التاريخ كذلك، مع أن السبب الرئيس لذلك السقوط كان الحرب الباردة الطويلة، بين أمريكا، والاتحاد السوفييتي، والتي سبقت عهد ريجان بعقود، وانتهت بسياسات غورباشوف التاريخية، والتي أسقطت تلك الإمبراطورية! ولو جاز أن ينسب الحدث التاريخي للزعيم الذي يحصل الحدث في زمنه، لصار لزاماً أن ينسب سقوط إمبراطورية السوفييت لجورج بوش الأب، لأن السقوط كان في عام 1991! والآن، ماذا عسانا أن نصنف الرئيس الحالي باراك أوباما؟! لعلي أفرد مقالاً مستقلاً عن ذلك.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2