قالوا لا نراك تخوض وتعلق كغيرك من المتحدثين سواء بالقلم أو في المجالس على أحداث الساعة الساخنة وما أكثرها هذه الأيام مما يتيح لك المجال واسعاً لإبداء الرأي، وعلى مبدأ حسن الظن بالقائل بأنه يعني ما يقول صدقاً وليس استفزازاً للتعرف على مكنون النفس وما يخفي الصدر وتحديد التوجه على ضوء النتائج، فاني هنا أرى أن الفرص والمجالات واسعة لإبداء الآراء حول موضوعات شتى ولن يجد المرء شحاً في عناوينها فهي ماثلة للعيان في البيئة المعاشة، ثم إن الآراء لا يجب أن تحصر في الأحداث الجارية على حساب قضايا لها ذات القدر والقيمة في حياتنا العامة، وليس بالضرورة لأن يكون الإنسان ذا رأي أن (يخوض) كما قال القائل في المسائل التي تستهلكها محطات التلفزة والإذاعة وكل وسائل التواصل طيلة اليوم، ويمارس فيها جلساء الأمسيات كل مهاراتهم الكلامية بما يرون انه تحليل ونقد للمواقف، بل إن الأمر تحول إلى مبارزة بين مشارب وتوجهات فكرية قد تكون اقرب للتنافر منها إلى التقارب للصالح العام، حتى بدت التسميات للتمييز بين ليبرالي وإخواني وحداثي وسروري ومتصهين، والأخيرة هذه سمعتها مؤخراً حينما قال قائل (غرّ) انه يدعو لتفكيك الخطاب المتصهين، لقد ذهلت حقاً من ثقته التي يزعمها بقدرته على (التفكيك) !! فكيف باستيعابه للخطاب ذاته، أنهم فتية يرددون كلاماً اكبر من وعيهم لمخاطر المرحلة وما يملى عليهم من أفكار ليسوا ندا لها وليسوا بأهلها وهم بهذه المرحلة العمرية والفكرية والثقافية، فعناصر النضج بين هذه القواسم لا بد لها من قياسات تتضافر مع بعضها لتنقل الشاب إلى مرحلة يمكنه معها أن يبدأ الخطوات الأولى لممارسة الطرح الفكري بشيء من بصيص الوعي بما أقدم عليه وما يجب عليه أن يفعله من خطوات لاحقة في مشروعه الفكري، وانه كلما كان إلى النضج اقرب كان إلى مسالك السالمين أصوب، والى طريق الحق أقوم وأهدى، بعيداً عن ضلالات المضلين ودعاوى المبطلين وتلوّن المزيفين، في كل مجلس تجد من يحلل في كل شأن ابتداء من بورصة التمور في القصيم إلى سوق الإبل في الجنادرية إلى مستوى تحكيم كرة القدم في درة الملاعب (سابقاً) قبل أن يظهر ما ينافسه عربياً، إلى تحليل و(تفكيك) كل فئة لخطاب من يعارضها في الرأي لدرجة ارتفعت معها أسعار المفكات إلى مستوى خيالي فاق أسعار الأراضي والعقار، ولم أجد في كل القواميس العربية قديمها والحديث كلمة تدل على (المفك) غير أن قاموساً ساخرالم يطبع بعد قارنها بمفردة الحداثي والمتصهين زاعماً أن لا غنى لأحدهما عن الأخرى ومدعياً انه لا بد لكل منهما من مفك (يفتفت) أوصالها ويعريها أمام المناصرين والمعارضين على حد سواء، المهم في هذه المرحلة تنشيط المفك الجيد حتى ظهور اختراع جديد يضاهي المصطلحات السابقة ويطغى عليها، فالمسألة كما يبدو جزء من استعراض القدرات الكلامية والمحفوظات من المفردات في المجالس ليقال عن هذا الممارس بأنه ضليع في تاريخ الحركات الفكرية، ولو تمعنت لوجدت الأغلب لا يملكون الرصيد المعرفي الكافي عنها، إذن لماذا نهرف بما لا نعرف، فلنترك الأمر لأهله.
t@alialkhuzaimIbrturkia@gmail.com