ينص نظام مكافأة نهاية الخدمة للمعلّمين على أن يحصل أكثرهم استبسالاً وكفاحاً، أي من يعمل إحدى وثلاثين سنة بالتمام والكمال، على مكافأة ثلاثة آلاف ريال عن كل عام، والله العظيم عن كل عام، وليس عن كل شهر، بمعنى أن مكافأة نهاية خدمة وطن، وتخريج عشرات، وربما مئات الآلاف من المواطنين وصانعي المستقبل. هي ما يقارب تسعين ألف ريال، أي راتب شهرين لموظف من الإدارة الوسطى للقطاع الخاص!
ولا يختلف عنه كثيراً الموظف الحكومي، الذي يمنح مكافأة نهاية خدمة تعادل ستة رواتب فقط، طبعاً إذا أكمل المدة النظامية، وبلغ 60 عاماً بالتمام والكمال، وهي أيضاً لا تتجاوز تسعين ألف ريال، إذا افترضنا أن الموظف تقاعد عند المرتبة العاشرة، أو (العاثرة) كما يسميها الموظفون، حيث يتعثر عندها معظم من يعمل في القطاع الحكومي!
فهل يعقل أن يكدح المواطن أكثر من ثلاثين عاماً، ليكافأ بمبلغ زهيد، يضيع غالباً في رحلة عائلية إلى إحدى الدول، احتفالاً ببلوغ رب الأسرة التقاعد، وراحته بعد عناء طويل؟ مع أن معظم هؤلاء يستفيدون من هذا المبلغ الزهيد لسداد ديون تكالبت عليهم خلال الرحلة الوظيفية، أو لتصفية ما تبقى من قرض بنكي مرهق!
السؤال هو أين تذهب هذه الـ(9) بالمائة التي تقتطع شهرياً من مرتبه على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، وهي بحسبة بسيطة، لراتب موظف في الإدارة الوسطى، تبلغ أكثر من 400 ألف، صحيح أنه يتقاضى مرتباً شهرياً تقاعدياً، لكن ذلك ليس مضموناً، وخصوصاً أننا نعرف طريقة توزيع هذا المرتب التقاعدي على الورثة في حالة الوفاة، وما فيها من طريقة غير عادلة!
في الدول المتقدِّمة يحقق الموظف والعامل جميع أحلامه المؤجَّلة بعد التقاعد، لشعوره بالأمان من حيث الرعاية الطبية والاجتماعية، يسافر ويتنزه ويستمتع بالحياة بشكل استثنائي، بينما متقاعدونا يبدأون في رحلة البحث عن وظيفة متواضعة، حتى ولو مراسلاً أو (سيكيورتي) للمساعدة على ظروف المعيشة الباهظة، ولتخفيف معاناته المتوقَّعة صحياً واجتماعياً، خاصة في ظل عدم الأمان الذي يعيشه هؤلاء!
لا نريد أن يتم التعامل مع من بلغ الستين عاماً، كما في الغرب، كمواطن «سينيور»، يعالج مجاناً في أي مكان، ويرتاد معظم الأماكن بلا مقابل، فقط لأنه يحمل سمة «مواطن سينيور»، لكننا نريد إنصاف من أفنى عمره في خدمة وطنه، بدلاً من منحه مكافأة لا تختلف عن صدقة، وعدم الاهتمام به في مجالات الرعاية الاجتماعية والطبية!
كبار السن والأطفال في الدول المتقدِّمة لهم عناية خاصة، ولهم أولويات تهتم بها الدول وحقوق الإنسان وتراعيها، لكن تلك الفئات في مجتمعنا مهملة، وتعد من قبيل العفش الزائد عن الحاجة، خاصة كبار السن، الذين يتلقون العزاء عند تقاعدهم بدلاً من التهنئة!